اقتصاد

حصاد الخيبة

علي هاشم : 

 

يوشك الفلاحون أن يختتموا موسمهم، فوفق حسابات الحقول، تم حصاد 60% بما لا يتطابق مع حسابات «بيادرنا» إذ لم تستقبل مراكز الاستلام سوى 219 ألف طن قمح. والحال كذلك، توشك الحكومة -هي الأخرى- أن تحصد نتائج ما «اقترفت أيديها» من آليات غير صحيحة لاستجرار المواسم، كما كل عام.
الأسبوع الماضي، أنفق مسؤولونا الكثير من التصريحات، وهذا «التبذير» الرسمي عادة ما يؤسس لـ«خيبة» ما، تناول هؤلاء أسباب متنوعة للتدني في الكميات المسوقة إلى المراكز الحكومية، فذهب بعضهم إلى اتهام الإرهاب، وآخر لاتهام النقل، وثالث امتطى الحصادات. وعلى خطا «المريب الذي يكاد يقول خذوني»، التقى الجميع في الدفاع عن البعد «المجزي» لـ61 ليرة التي أقرتها الحكومة سعراً للكغ من أقماح الفلاحين.
شكل الموسمان الماضيان فرصة مجانية للراغبين في تعلم كيفية إدارة هذا الملف الاقتصادي الحساس، كانت آلية التسعير «المدرسية» المرتكزة إلى عمليتي الجمع والطرح البسيطتين أساساً منطقياً لفشلنا في تسويق أقماحهما.
لكن حالة «تعنت التعلم» التي تعانيها الحكومة، أفضت لتكرار الفشل مجدداً، فـ «السعر المجزي» الذي أقرته آنذاك عند دولار 150 ليرة، كان «مجزياً» قياساً بالآلية المدرسية إياها، كما قياساً بإعلان ما يسمى «مؤسسة حبوب الحكومة المؤقتة شمال سورية» عن 220 دولاراً لطن القمح المورد من الفلاحين، مشفوعاً بـ«فتوى شرعية» تحرم تسويقه إلى «مناطق الكفار التي تسيطر عليها الحكومة الوطنية».
لم تمض سوى أيام قليلة حتى داهمت الليرة السورية هجمة «ممنهجة» معتادة «مطلع كل صيف وشتاء»، فارتفع الدولار إلى الضعف تقريباً «من 150 ليرة إلى 300»، تكفل الأمر بتحول السعر الحكومي «المجزي» إلى «مخز» متبادلاً تصنيفه مع سعر «مؤسسة المؤقتة» الذي ارتفع لـ«66 ليرة» على أن يوفر على الفلاحين ما قد تجره عليهم مخالفة «فتواها» من حصاد مرّ إن فكروا بتسويق حبوبهم لمراكز الحكومة.
ضاع الموسم. خلاصة كهذه يمكن استقاؤها من التصريحات الرسمية بعد حذف عباراتها «الصمغية» التي تحاول لصق الفشل بكائنات وأسباب وعوالم. أنفقنا الكثير من التسويف متجاهلين تناسبية «السعر المجزي»، وذررنا الكثير من التصريحات عن «الاستعدادات المتكاملة» في حقول الرياح، وها نحن نتهيأ لحصاد الصدى، فهل من فرصة؟
أمام حالة «تعنت التعلم»، لا يجد المرء بداً من التكرار بأن السعر «المجزي» هو الأساس، وسعرنا اليوم لم يعد كذلك. من حسن الأقدار أن ثمة متسعاً ضيقاً لتعديله وفق سلم متحرك تبعاً لما اكتنف «أو قد يكتنف» سعر الصرف.
في «زاوية» سابقة نشرتها «الوطن» في هذا المكان منتصف الشهر الماضي، قيل: تماريننا الاقتصادية، تجزم بأن «أعداءنا» لن يتركوا لهدوء سوق الصرف سبيلاً، ما دام هناك كغ واحد من القمح يحتمل تسويقه إلى مراكزنا، وعلى الحكومة دعم استقرار الليرة بأي ثمن حتى نهاية الموسم، أو تحميل سعر القمح على سلم الدولار المتحرك، بما يشجع المزارعين على الدفاع عن مصلحتهم في السعر الحكومي. إن فعلنا، فحتى لو منعوا قسراً من تسويق أقماحهم لمراكزنا، فلن نخرج خالي الوفاض.
بما يعني تلخيصاً: دعم اصطفاف مصالح المزارعين ضد مصالح الإرهابيين، لا ضد حكومتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن