قضايا وآراء

الحق والعدل أولاً

| نبيل الملاح 

دفعني إلى كتابة هذا المقال ما قاله الرئيس الأميركي الجديد السيد ترامب: أميركا أولاً.
بداية أقول إن من حق أي رئيس أو حاكم أو زعيم أن يطرح شعاراً يعطي به الأولوية لبلاده، وهذا أمر طبيعي، لكن ليس من حقه أبداً أن تكون هذه الأولوية مصالح الدول الأخرى وحقوق شعوبها، والأهم ألا يكون تحقيق هذه الأولوية على حساب قيم ومبادئ الحق والعدل الراسخة في القانون الدولي الذي يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في العالم كله دولاً وشعوباً.
وإن مسؤولية تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في العالم تقع أولاً على عاتق الدول الكبرى التي تقود العالم، وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، التي عليها أن تضمن تطبيق العهود والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان وسيادة الدول، وتساهم في بناء الدول النامية والفقيرة من خلال تقديم المساعدات المالية وتزويدها بالعلم والتكنولوجيا.
ولا أعرف إذا كان السيد ترامب مدركاً أن قوة الاقتصاد الأميركي لم تكن بسبب ما تملكه الولايات المتحدة الأميركية من ثروات طبيعية وغير طبيعية فقط، وإنما كانت من خلال نفوذها وسطوتها في العالم وتحكمها بالفوائض النقدية لمعظم دول العالم ومنها دول الخليج العربي (النفطية).
إن وصول السيد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، يأتي في سياق التغيرات الجوهرية والعميقة التي يشهدها العالم، والتي أراها لا تبشر بخير، وتدل على تقدم المشروع الصهيوني الذي سيجعل العالم كله في حالة فوضى وتفكك وضياع.
والسؤال المهم: أين نحن العرب من كل ذلك؟
وللأسف الشديد أصبحنا نحن العرب لا حول ولا قوة لنا، وأصبحت هويتنا التي بذلنا من أجلها الكثير الكثير، تتعرض لمخطط تآمري واضح لطمسها وتمزيقها، بعد أن تم تدمير المشروع القومي العربي الذي كان هو الوحيد القادر على مواجهة إسرائيل والمشروع الصهيوني.
ولم يقفوا عند ذلك، بل تمكنوا من الوصول إلى داخل الدول العربية، وعملوا على خلق الفرقة والفتنة بين مكوناتها بهدف تقسيم هذه الدول وتفتيتها.
وما تشهده العديد من الدول العربية إن لم نقل جميعها، يجعلنا في حالة يأس وبؤس وتشاؤم من قادم الأيام… فهل سنقف مستسلمين ننتظر قدرنا، أم سنجعل من قيمة الحياة دافعاً للوقوف في مواجهة هذا المخطط التآمري الذي يستهدف الدول العربية بشكل أساسي ومباشر.
لقد كانت سورية دائماً هي قلب العروبة النابض، ولا بد أن تبقى كذلك مهما دارت وجارت الأيام… فسورية التي كانت أبوابها مفتوحة لكل العرب، وقدمت الخير والسلام للمنطقة والعالم، كانت الهدف الأول والأهم لهذا المخطط التآمري.
إن ما جرى في سورية كان بفعل هذا المخطط التآمري الذي يستهدف العرب والعروبة بعد أن استهدف المشروع القومي العربي، لكن المحزن والمؤسف أن تنفيذه كان بأيدينا..؟! فإلى متى سنبقى في حالة فقدان الوعي والإرادة؟ وهل نحن قادرون على الاستيقاظ لنحافظ على سورية قلب العروبة النابض؟
علينا جميعاً أن نُحكّم عقولنا ونعلي صوت ضمائرنا، ونعمل على الإسراع في الانخراط بعمل وطني جامع يؤدي إلى إنهاء الأزمة السورية والانتقال إلى إعادة بناء سورية بناءً سليماً يحافظ على وحدتها ويعطي الحقوق لشعبها بكل مكوناته.
وهذا يتطلب أعلى درجات المسؤولية والحس الوطني، وتجاوز المصالح الفئوية والشخصية لتحقيق المصالح الوطنية الكبرى والمصالحة الوطنية الجامعة، وتقديم التنازلات لمصلحة الوطن التي تتحقق من خلالها مصلحة جميع المواطنين.
وعلينا جميعاً أن ندرك أن ضياع سورية، هو ليس ضياعاًَ لنا فحسب، بل فقدان لوجودنا أمة وأفراداً.
إن الوقت يداهمنا، والزمن يتجاوزنا.
فهل نسمع صوت عقولنا لتحقيق الحق والعدل، أم نبقى أسرى لمصالحنا ونوازعنا المختلفة؟
باحث ووزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن