الأولى

التحالف مع الشيطان

| وضاح عبد ربه

لا تزال حتى الآن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخارجية «ضبابية» كما يقولون، لكن ملامحها الأولية تشير إلى أن الرجل سيتعامل في السياسة كما يتعامل مع المال وسيدير الولايات المتحدة كما كان يدير شركاته، أي بمقياس جني الأرباح مهما كان الثمن.
قرارات ترامب الأولى حولته إلى عدو لكثير من شعوب العالم ولقسم كبير من شعبه، لكنه لا يكترث، ويستمر في سياسة يرى من يعارضه أنها عنصرية، ويرى آخرون أنها حمائية، لكن الواضح أنها لا عنصرية ولا حمائية بل «استهدافية» ولمحور المقاومة دون سواه، وإلا فكيف نفسر أن يعتبر وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إيران «أكبر دولة راعية للإرهاب»، في حين أن العالم بأجمعه يعلم أن الإرهاب منشؤه وداعموه وممولوه هم بنو سعود، وأن هجمات أيلول الإرهابية داخل الولايات المتحدة الأميركية نفذها سعوديون في أغلبيتهم!
بعد أيام من تسلم ترامب السلطة وقراراته الأولى، يمكن لنا أن نتخيل مستقبل سياسته الخارجية التي ستكون مبنية على مبدأ: «من يدفع أكثر»، وفِي هذا الميدان، لا بد أن يكون بنو سعود المعتادون على الدفع، الشركاء الأساسيين لترامب، ويسددون ما يأمر به سيد البيت الأبيض، لإطلاق مشاريعه التنموية داخل بلاده، إضافة لحاجته إلى دعم كبرى المؤسسات المالية التي يمتلكها اليهود واللوبي الصهيوني، وبذلك يضمن المال والتمويل وفِي المقابل يطبق وينفذ رغبات بني سعود وقادة إسرائيل بعزل إيران ومحور المقاومة وفرض مزيد من العقوبات عليها.
سياسة ترامب ستفضح من جديد التعاون المباشر بين السعودية وإسرائيل، وستفضح كذلك النفاق الدولي تجاه القضايا الكبرى مثل الإرهاب، بحيث تتهم الدول التي تعاني منه، وتكافئ الدول التي تموله وتدعمه مالياً وفكرياً.
داخل الولايات المتحدة ثمة من يقول: إن ترامب بحاجة إلى عدو وبحاجة إلى إثبات أن بلاده مهددة، وأن سياسته تجاه منع الهجرة ومنع ملايين من المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة هي السياسة الصائبة، وخاصة بعد موجة الاحتجاجات التي تجتاح بلاده التي أسسها وبناها المهاجرون حين استوطنوا فيها.
إسرائيل وبنو سعود يريدون من ترامب أن يعلن صراحة أن العدو هو محور المقاومة، وأن يعمل معهما على محاربته، لكن ترامب يعرف جيداً أن هذا المحور ليس منعزلاً، وأن هناك قوى دولية تسانده وتدعمه ومنها روسيا والصين ودول البريكس، ولن يكون من السهل على إدارة الرئيس الأميركي الجديد تحمل كل هذا العبء الذي قد ينتج عن سياسات مناهضة للمقاومة، والثمن قد يكون مرتفعاً، وعليه سيدخل ترامب في بازار سياسي عالمي، بحيث يتشارك مع القوى العالمية في ملفات، ويواجهها في ملفات ثانية، محاولاً الاستفادة من كل الدول ليعزز اقتصاده وقوة بلاده.
إذاً يتعامل العالم مع رجل أعمال ورجل صفقات، أكثر من أنه رئيس للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي، علينا الحذر خلال قراءة قراراته وتغريداته وسياسته، فالمال هو هدف ترامب الأول والأخير، ولينجز ما وعد به خلال حملته الانتخابية على الصعيد الاقتصادي، مستعد للتحالف مع الشيطان بذاته، وهذا ما بدأ فيه من خلال اتصاله مع عاهل بني سعود، الذي لا رغبة ولا حلم لديه سوى تدمير محور المقاومة وإيران، وهذا ما حاولت السعودية القيام به منذ سنين طويلة وعززته منذ 2006 في لبنان، وهي مازالت تحاول منذ 2011 في سورية، ولكنها لم تنجح ولن تنجح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن