ثقافة وفن

الكاميرا تتحدث في مشروع سينما درويشة لكن بدقة ضعيفة … قتيبة الخوص لـ«الوطن»: مشروعي يعتمد قواعد أربعاً تشترك فيها الأفلام

| عامر فؤاد عامر

تعدّ المشاريع السينمائيّة التي تعتمد على جهد فردي أو جهد مؤلف من جهود مجموعة من الأفراد، حالة قليلة في سورية، والأمثلة التي يمكن العودة إليها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأسباب هذا الفقر في الموضوع متعددة وكثيرة وسنتمكن من الخوض فيها ضمن موضوعاتٍ لاحقة ترتبط بالسينما في سورية، واليوم نلقي الضوء على واحد من المشاريع السينمائيّة الشابة التي تشق لنفسها منهجاً وطريقاً وخصوصيّة لتقديم منتج سينمائي يتوافق مع الواقع ويحمل طموح أصحابها فيما يليق بالظرف الموجود إن كان ماديّاً أم معنوياً، ونعني بذلك أن الطموح بأفقه الواسع حاضر أمّا الظرف المادي فهو أيضاً بأفق مفتوح إلا أنه وضمن التجارب التي قُدّمت بقي ضمن مساحة متواضعة جداً، ونخصّ بهذا التعليق مشروع سينما درويشة الذي حمل لنا تجاربه في أكثر من مرّة كفيلم «حبّ على عجَلْ» وفيلم «بطاريّة ضعيفة» ليكون الأخير، وهو فيلم «بطارية ضعيفة» حائزاً على الجائزة الذهبيّة في مهرجان دعم أفلام سينما الشباب في دمشق وضمن دورته الأخيرة.

الطابع العام

تنتج سينما درويشة أفلامها بأسلوبيّة خاصّة وتعتمد على مميزات يمكن التقاطها من خلال متابعة تفاصيل أفلامها، فالوجود الواضح للكاميرا في الحدث الذي تتم مراقبته واستقصاؤه، هي من أوائل الملاحظات التي يمكن التقاطها، وهذا ما نلاحظه بسهولة في فيلم «حبّ على عجل»، إذ تبرز الكاميرا في معظم اللقطات بعمديّة واضحة، على حين أن الكاميرا في فيلم «بطاريّة ضعيفة» هي من يقود الحدث الذي يعيشه بطلا الفيلم وهما «يزن خليل» و«لجين إسماعيل»، ويبدو أن كلّ الأفلام القادمة التي ستنتجها سينما درويشة هي أفلام ستحمل هذا الطابع، كما يبيّن لنا المخرج قتيبة الخوص، صاحب المشروع، فالصورة يراهن عليها كشكلٍ ودلالة، وكمجاز أكثر من كونها تقنيّة.

درويشة
يقول في تعليقه على مشروع سينما درويشة صاحب المشروع المخرج الشاب «قتيبة الخوص» عن الاسم ونوعيّة المنتج وشروط هذا المشروع فيقول: «الدرويش في الحياة وفي المعنى الحقيقي له هو المتصوّف والزاهد، وما إلى هنالك من مرادفات، فالدراويش هم من يغوص بعمق في جوهر الحياة والهدف منها، بغض النظر عن المفهوم الاجتماعي السلبي لكلمة درويش، وهو مفهوم خاطئ. أمّا عن المشروع فهو يعتمد على حصر الخيال ضمن الإمكانات المتاحة له ماديّاً من دون أن نحد من آفاق السينما كفن وجوهر، وهذا خيار صعب، فبعد عدّة تجارب يبدأ السينمائي بقولبة نفسه تبعاً للإمكانيات المتاحة أمامه، وإلى اليوم لم تتح لي التجربة للخروج من إطار سينما درويشة، ولا أعلم إن كنت جاهزاً أو موفقاً في حال جاءت فرصة كبيرة من الدعم المادي، وبالعودة إلى مفهوم مشروع سينما درويشة، يعتمد هذا المشروع على الحقل العالي للدرويش، وعموماً إذا ما قارنا إنتاجاتنا السينمائيّة جميعها بالإنتاجات العالميّة المستقلة سنصل لنتيجة أنها كلّها فقيرة، وهذا أمرٌ عادي، وواقعي في حياتنا.
في البداية وفي الخطوات الأولى للمشروع كنت حالماً وبصورة مبالغ فيها، لكنني وضعت قوانين أو شروطاً للمشروع بالمجمل، أو للأسلوب الإخراجي لأعمال المشروع، فوضعت أربع قواعد أساسية لأسلوبنا الإخراجي، وأول هذه القواعد هو الوجود الواضح والصريح للكاميرا في الحدث، أمّا القاعدة الثانية فهي، الاعتماد على الصورة كشكل ودلالة، وتكوين أكثر منها كعنصر جمالي، أمّا القاعدة الثالثة فهي الرداءة النسبيّة في الصوت والصورة للإيهام بالواقعيّة، ورابع شرط أو قاعدة هو تحول الكاميرا من عنصر مراقب لعنصر فاعل ومؤثر في الحبكة الدرامية».

هضم الصورة
يلفت انتباه المراقب لأفلام سينما درويشة نوعيّة الصورة التي تحدّث عنها المخرج قتية الخوص كقاعدة أساسية في إنتاج الأفلام، وبالحديث عن هذه الصورة التي تحمل دقة منخفضة، وعن القصديّة من وراء ذلك، يعقب صاحب سينما درويشة: «نعم الصورة تحمل دقة منخفضة، وهذا يأتي بصورة مقصودة في إنتاجات المشروع، لتحقيق رسائل خاصّة تخدم هيكليّة الفيلم بالمجمل، فهناك هضم من دقة الصورة بقصد صبها في رسائل أخرى، إمّا بالمجاز أو بالفرضيّة الدراميّة أو بالدلالة أو الشكل. وباستخدام هذه النقطة نكون قد استخدمنا نقطة ضعفنا وحولناها إلى نقطة قوّة بالاشتراك مع عين المتلقي وفهمه لما يجري».

الكاميرا بطلة
حاز فيلم «بطارية ضعيفة» جائزته الذهبية في الدورة الأخيرة لمهرجان دعم سينما الشباب والمقام في دمشق، وفي هذا الفيلم حضور آخر وبطريقة اللقطة الواحدة منذ بداية الفيلم حتى نهايته (One Shote) كما هو متعارفٌ عليه في العمل السينمائي، وفي الفيلم يتحادث بطلا الفيلم «لجين إسماعيل» و«يزن خليل» مع الكاميرا ويتعاملان معها لتكون محوراً مهماً وجوهرياً في حكاية الفيلم، فكانت الشاهد عليهم وعلى ما يجري من حولهم، إلى أن تنطفئ بسبب انتهاء الشحن في بطاريّة الكاميرا، وبالتالي هل وصلت الرسالة أم لم تصل يبقى هذا السؤال مفتوحاً لدى المتلقي بعد أن ختمت الفيلم البطارية الضعيفة بنفسها، فالحكاية مهمّة وبسيطة في حين استخدامها جاء بطريقة ذكية تعبر عن حالة حصار ووسيلة واحدة هي الكاميرا التي اعتبرها الجنديان البطلان المتنفس الأخير لهما.
الاستخدام الموفق

الناقد السينمائي فاضل الكواكبي وفي تقييمه لفيلم بطارية ضعيفة يقول: «الفيلم مبني على رؤية بصريّة طازجة، ومختلفة عن السائد، وبالتنويه عن هذه الرؤية والأسلوبيّة التي تحمل نوعاً من الابتكار، ليس الابتكار فيها هدفٌ بحدّ ذاته؛ بقدر ما هو محاولة للتعمّق أكثر في حالة سينمائيّة إنسانية بحتة، وبالتالي الابتكار البصري، واستخدام الكاميرا، التي هي موجودة داخل الحدث، فاستخدامها كان موفقاً من حيث التعبير عن المكان، والمشاعر العميقة لأبطال الفيلم، وهو منفّذ بحساسيّة سينمائيّة عالية، وبحضور قوي للممثلين اللذين لعبا هذين الدورين».

البحث عن الإشارة
يمكن وصف مشروع سينما درويشة، بأنه منهج عملٍ أكثر من كونه مؤسسة، فهو لا يحوي أشخاصاً محددين، ولا يحمل هيكلاً تنظيميّاً، بل منهج عملٍ يضمّ عدداً غير محدود، ولا مشروط من محبّي السينما، وهي على مبدأ الثقافة التطوعيّة، وموجودة هذه الفكرة من قبل ولادة هذا المشروع بزمن. على الرغم من قلّة الأمثلة عليها في سورية، إلا أنه وفي تاريخ السينما يمكن ملاحظتها بصورة كبيرة، أمّا التجربة القادمة لهذا المشروع فهو فيلم طويل، وقد يحمل الخصائص نفسها التي رسمتها سينما درويشة، من حضور الكاميرا ومن الأخذ من دقة الصورة وغيرها، وسيكون العنوان المبدئي للفيلم هو البحث عن الإشارة، كما صرّح لنا قتيبة الخوص.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن