قضايا وآراء

أسراب المعارضة…

| مازن بلال 

ليس مفهوماً على المستوى السياسي على الأقل عمليات إعادة توزع المعارضة السورية، وظهور تكتلات وتجمعات لا تعبر عملياً عن مشاريع وتصورات جديدة، فإذا كان اقتراب جنيف مبررا لإعادة «التوزيع» إلا أن مسألة شرعية التمثيل لا يمكن حلها بظهور تجمعات جديدة، لأن مثل هذه التشكيلات «المؤقتة» لا تستطيع حل المعضلة الأساسية داخل «الوفد المشترك»، فالخلافات في بنية هذا الوفد هي في نوعية توزع القوى الإقليمية والدولية التي يستند إليها المشاركون، وهي أيضاً في طبيعة التصادم للسيناريوهات التي تراها الدول الراعية لحل الأزمة السورية.
عمليا فإن اجتماع موسكو الذي رعته الخارجية الروسية أبقى التناقض الأساسي حول شرعية التمثيل، وبغض النظر عن وفد الهيئة العليا للتفاوض الذي تردد في حضور الاجتماع، ولم يُطلق موقفا واضحاً منه؛ فإن بقية الحضور احتفظوا بمواقفهم بشأن «شرعية» حضور بعض الأطراف، فموسكو ربما فرضت أمرا واقعا في «طاولة الحوار» التي أنشأتها، لكن الظهور الإعلامي وبعض النقاشات الداخلية كشفت عن أن الخلافات ليست فقط في المشاريع السياسية بل أيضاً في الاعتراف المتبادل بين الأطراف، وهذا الأمر لم تحله خارطة الطريق التي طرحها مؤتمر فيينا2 ولا قرارات الأمم المتحدة، فنحن عملياً أمام حالتين أساسيتين:
– الأولى هي المنصات الثلاث الأساسية التي تشكلت نتيجة لقاءات في عواصم عربية ودولية، وهي على ما يبدو منصات الأمر الواقع التي حضرت جولات جنيف الأخيرة ولم تجمع رؤيتها ضمن مشروع واحد، وظهر هذا الأمر داخل اجتماعات موسكو التي ضمت أيضاً «منصة حميميم»، والمعضلة الأساسية أن هذه الأخيرة كانت للبعض «خارج شرعية التمثيل».
بغض النظر عن الاتهامات التي تنهال على «منصة حميميم» إلا أن عمق الخلاف حولها مرتبط برؤية باقي الأطراف، فهم يعتبرون أن التجمعات خارج سورية هي الأكثر قربا من «الاتجاه المعارض»، وهذا اتهام مبطن إلى أن الداخل السوري غير قادر على إنتاج بنية سياسية جديدة، وربما لنفس السبب ظهر تكتل في بيروت يوم الجمعة الفائت يضم جناحا داخليا مهماً بعضه كان ممثلا في وفد حميميم إلى جنيف.
– الثاني مجموعة المعارضة «التائهة» إن صح التعبير بين المنصات، وهي مجموعات متنقلة ومقيمة بالخارج وتسعى لفرض آلية جديدة في مسألة التمثيل، ويندرج في هذا الإطار لؤي حسين وأحمد الجربا وغيرهم من الشخصيات التي تحركت بين المجموعات المعارضة في الخارج، وهذه المجموعات سيصعب توزيعها على «الوفد المشترك» الذي يتزاحم الجميع لحجز مقعد داخله.
المشهد لا يبدو معقدا لأنه يعبر عن التشتت السياسي على مستوى المعارضة، وينقل «أزمة الديمقراطية» داخل بنيتها، فهناك مشكلة أساسية في «هيكلها» غير القادر على بناء توافقات في مواجهة الوفد الحكومي، ومن جانب آخر هناك عدم الاعتراف المتبادل بين من هو خارج وداخل سورية، ومن المستبعد أن تشكل جميع المنصات تكتلا قادرا على مواجهة الحالة الأصعب المتمثلة في «مندوبي» المجموعات المسلحة الذين يريدون احتكار التمثيل عموما.
عندما تظهر «كتلة» معارضة جديدة سواء في بيروت أو غيرها فهذا الأمر لا يصب في مصلحة «البنية السياسية» السورية عموما، لأن إعادة هيكلة المعارضة تتأرجح في الصراع على التمثيل في حين المفترض بناء مشروع سياسي توافقي قبل البحث عن مساحة جنيف والمقاعد القليلة في الوفد المشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن