رياضة

السيليساو أصبح فريق النجم الأوحد فتحّول إلى حمل وديع…كوبا أميركا تكشف عيوب الكرة البرازيلية

منذ التتويج ببطولة كأس القارات عام 2009 تحولت البطولات الكروية الكبرى مناسبات لنكء جراح كرة القدم البرازيلية وتشريح أخطاء السيليساو الذي تحول من بعبع لمنتخبات العالم إلى حمل وديع ينشرح معظمها لمواجهته على أرض الملعب، فقد أصبح خصماً سهل المنال وأصبح إبهاره من حكايات التاريخ المجيد التي دخلت المتاحف وباتت من قصص الخرافات الكروية على ما يبدو.
فقد أصبح المنتخب البرازيلي عرضة للهزائم العريضة وما حدث في نصف نهائي مونديال 2014 أكبر مثال، والخروج المبكر من كل بطولة صار سمة له، فابتعد عن منصات التتويج وأضحت الكرة في بلاد السامبا بحاجة للكثير من العمل بدءاً من القواعد لتعود إلى زمنها الجميل فتستعيد بريقها وألقها ومكانتها.

لمحة تاريخية
ليس بالأمر الجديد غياب المنتخب البرازيلي عن منصات التتويج ولاسيما على صعيد الكبار فقد سقط بطل العالم 1962 من الدور الأول لمونديال 1966 ثم غاب عن البطولات الكبرى 19 عاماً كاملة بين اللقب العالمي الثالث 1970 واللقب القاري الرابع 1989، ثم حقق اللقب المونديالي الرابع بعد خمس سنوات وها هو بعيد عن الزعامة العالمية منذ 2002، وفي هذه الأثناء توجت المنتخبات البرازيلية بالكثير من الألقاب على مستوى الفئات العمرية وعلى صعيد كأس القارات.
وتخللها عدد من الهزات واللطمات التي تلقتها كرة السامبا فكان السقوط في المونديال من الدور الثاني (1982 و1990) ومن ربع النهائي أعوام 1986 و2006 و2010 والسقوط في نصف نهائي 2014 وفي نهائي 1998، إلا أن الأداء الذي قدمه السيليساو كان يصل إلى القمة في كثير من الأحيان ولم تأت الكثير من السقطات بسبب ضعف المستوى بل لسوء الحظ وأشياء أخرى.
ومنذ 2006 حتى اليوم تعيش كرة القدم البرازيلية نوعاً من الخمول غير المعهود على صعيد المستوى المتذبذب والأداء المتدني فلم نعد نرى ذلك الفريق الذي يقدم المتعة بغض النظر عن النتائج، والأسوأ منذ ذلك بتنا ننتظر خسارة السيليساو من أدنى فرق العالم، فما الذي حصل للكرة التي تضم في حاراتها وشواطئها وملاعبها أكثر من عشرة ملايين لاعب؟!.

في الألفية الثالثة
معاناة الكرة البرازيلية لم تبدأ منذ تسلم دونغا سواء في الفترة الأولى بين عامي 2006 و2010 أو فترته الحالية بل تعود إلى ما قبل ذلك ولا يمكننا تحديد الوقت على وجه الدقة، ففي تصفيات مونديال 2002 عانى السيليساو الأمرين حتى ضمن حضوره في النهائيات وهناك تألق وتوج بلقبه الخامس، وقبلها بعام وبعدها بعام سقط شرّ سقوط في كأس القارات قبل أن يعود إلى التألق والسدة بتتويجه بكأس القارات في ألمانيا 2005 بصورة ناصعة وخاصة في نصف النهائي والنهائي، فعاد إلى المونديال الألماني مرشحاً أول للقب إلا أنه سقط (عروضاً) قبل أن يخسر في ربع النهائي أمام فرنسا زيدان.
وجاءت فترة دونغا المدرب الأولى ليستعيد المنتخب بعض السمعة من خلال كوبا أميركا 2007 ثم كأس القارات 2009 وقد ترافقت مع الكثير من الانتقادات للمدرب وخياراته وأسلوب لعبه الدفاعي الذي لم يرق يوماً لما يشتهيه عشاق كرة السامبا.

دونغا.. بعد وقبل
خسارة مونديال 2010 أطاحت دونغا ولم يفلح خلفه مانو مينيزيس فسقط بربع نهائي كوبا أميركا ثم في أولمبياد لندن فكانت إعادة سكولاري بطل 2002 وساد جوّ من التفاؤل على اعتبار أن فيلبياو سيعيد منتخب الكناري إلى مكانته الحقيقية ونجح بخطف لقب كأس القارات 2013 في بلاده بطريقة رائعة وعلى حساب الأورغواي وإسبانيا ما زاد مساحة الأمل بلقب مونديالي سادس ولأن الرياح لم تأت بما يشتهي المدرب واللاعبون والأنصار فقد جاءت النهاية مريعة على يد الألمان والهولنديين.
وعادت قصة البحث عن المدرب البديل لتشغل بال البرازيليين جميعاً فكان أن وقع الخيار على دونغا صاحب التجربة المرة على مدار أربع سنوات علماً أن أعراف كرة القدم السائدة تقول: إنه من النادر نجاح مدرب ما في قيادة منتخب ما على مرحلتين.
وللبرازيليين تجارب كثيرة على هذا الصعيد فقد أخفق فريق 1966 بقيادة بطل العالم 1958 (فينسنت فيولا) بتجاوز الدور الأول وفشل كارلوس البرتو بيريرا في مونديال 2006 وزاغالو بمونديال 1998 ومثله سكولاري في 2014 وهاهو دونغا يفشل مبدئياً في كوبا أميركا 2015.

الغبي «منه فيه»
هذا اسم فيلم سينمائي مصري معروف لكننا بالتأكيد نقصد المدرب كارلوس دونغا المعروف بالغبي وهي ترجمة لكلمة دونغا بالبرتغالية، ولطالما التصق هذا اللقب إعلامياً باللاعب الذي توج بطلاً للعالم ولكوبا أميركا قبل أن يصبح الوحيد الذي يتوج باللقب الأخير لاعباً ومدرباً، وقد نجح إلى حدّ ما في وضع اسمه على خريطة المدربين المشهورين إلا أن طريقة لعبه التي لم تكن تعجب الجماهير من قبل جعلت سهام النقد تناله عندما تسلم مهمة تدريب المنتخب وهوجم بشدة بسبب طريقة لعبه ذات الصبغة الدفاعية، على الرغم من سجله الجيد سواء في فترته الأولى حيث خاض 60 مباراة فاز 42 منها وتعادل 12 مرة وخسر 6 مرات فقط، أو في فترته الحالية حيث خاض 14 مباراة فاز بـ12 منها وخسر مرة وتعادل بواحدة.

السقوط مجدداً
ويؤخذ على دونغا وسواه من المدربين الذين سبقوه أن هزائمهم على قلتها تكون حاسمة وفاصلة وتؤدي إلى خسارة لقب بطولة كبيرة في الأغلب وهذا ما حدث في تشيلي 2015 حيث حقق فوزين وخسارة وتعادلاً قبل أن تطيح به ركلات الترجيح من ربع النهائي.
المزعج في الأمر أن سقوط البرازيل في مونديال 2014 وكوبا أميركا جاء بغياب نيمار الذي أصيب في الأولى وطرد في الثانية ما يوحي بأن السبليساو الذي طالما قدم نخبة متكاملة من اللاعبين أصبح فريق النجم الواحد على غرار المنتخبات الصغيرة، وعندما يغيب هذا النجم (يتكركب) وضع الفريق ويواجه مآزق كبيرة.
هذا الأمر لم يعجب عشاق الكرة البرازيلية الذين يرون أن بلادهم تعج بالمواهب والمهارات المتميزة وقد قيل من قبل: إن البرازيل قادرة على اللعب بأكثر من منتخب على مستوى رفيع في كأس العالم.
ولم يقدم الفريق بغياب نيمار وتياغو سيلفا في المونديال ونيمار في كوبا أمبركا ما يشفع له بمواصلة الطريق نحو القمة في البطولتين الشيء الذي أظهر عطلاً واضحاً في الكرة البرازيلية برمتها وهو ما أعلنه المدرب دونغا علناً عقب الخروج أمام البارغواي.

العلة والأسباب
السيليساو الذي أتحفنا تاريخياً بسبحة طويلة من النجوم الذين فرضوا أسماءهم على الساحة العالمية ظهر عاجزاً عن مقارعة الكبار وخائفاً حتى عندما تقدم بالنتيجة ومرتجفاً عند أقل خطورة من المنافس استحق بالتأكيد الخروج حتى إن البعض غمز من قناة الخروج المشرف عبر ركلات الترجيح واعتبروه أفضل من سقوط جديد مريع في حال واجه راقصي التانغو.
أسباب التراجع كثيرة ومنها أخطاء دونغا بدءاً من التشكيلة المسافرة إلى تشيلي وليس انتهاءً بخطة اللعب الفاشلة وأحد فروعها أسلوب لعب الكرات الطويلة الشيء الذي أدهش اللاعبين أنفسهم، والأهم من ذلك الاعتماد كلياً على نجومية نيمار وعدم منح بقية اللاعبين أدواراً تليق بهم وسط الملعب، وأيضاً حال اللاعبين أنفسهم فقد ظهروا فاقدين للثقة وكأنهم ليس لديهم دور سوى دور (سنيّد البطل) وبالتالي فقد فشلوا بلعب دور البطولة بأنفسهم.

ليس آخراً
إذاً يتحمل دونغا جزءاً من المسؤولية لكن هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي أدت إلى الصورة الباهتة جداً والتي أظهرت السيليساو وكأنه ظل للمنتخب البرازيلي الذي يمتع سواء فاز أم خسر.
وأكمل سقوط السيليساو في تشيلي ليكمل شهر حزيران الحزين للكرة البرازيلية بخسارة منتخب الشباب بنهائي مونديال نيوزيلندا وكذلك خروج منتخب السيدات المخيب من ربع نهائي مونديال كندا، إلا أن خسارة الفريق الأول كان له الأثر الأكبر في نفوس البرازيليين الذبن يعتبرون حلول منتخبهم بالمركز الثاني سقوطاً ليبدأ كل البرازيليين رحلة البحث عن الأسباب التي جعلتهم أضحوكة في عالم كرة القدم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن