قضايا وآراء

خيارات أردوغان في سورية تزداد تعقيداً

| صياح عزام 

تتوالى الصفعات التي تتلقاها الطموحات التركية في شمال سورية، فخلال يومين اثنين فقط، كانت الصفعة الأولى عندما كشفت وحدات الحماية الكردية عن قيام الولايات المتحدة بنشر مراقبين من ضباط وجنود أميركيين في محيط مدينة منبج، والثانية عندما نجح الجيش العربي السوري في اختراق على محور شمال حلب الشرقي والتقاء وحداته المقاتلة بما يسمى وحدات الحماية الكردية، لتشكل سداً أمام تمدد (درع الفرات) صوب الرقة.
نقول ذلك في ضوء ما أعلنه أردوغان عن أن المحطة التالية لـ«درع الفرات» كما يسميها ستكون في منبج، والمحطة التي تليها ستكون (الرقة)، أردوغان هذا لم يستطع أن يرسل قواته إلى الباب لولا تفاهماته التي استغلها مع روسيا، كما أنه لن يجرؤ على اجتياز خطوط انتشار الوحدات الكردية من دون ضوء أخضر أميركي، إلى جانب أنه يتحاشى الصدام المباشر مع الجيش العربي السوري، لأن ذلك سيكون بمنزلة مقامرة خاسرة.
أيضاً، بعث أردوغان بخطة عسكرية إلى البنتاغون فيها دور للجيش التركي ومسعود البرزاني في تحرير الرقة، إلا أن واشنطن لم تستجب لهذه الخطط، لكونها تتضمن اجتياح مناطق (عين العرب وتل أبيض) للوصول إلى الرقة.
روسيا التي تغاضت عن تجاوزات أردوغان في شمال سورية، تبدي الآن قلقاً ظاهراً ومضمراً من ألاعيب وتقلبات السياسة التركية وسياسة الرقص على جميع الحبال التي يمارسها أردوغان، وهي تتابع استداراته المتلاحقة والمتسارعة، وتراقب كل ذلك بانتظار معرفة المرفأ الذي سترسو فيه سفنه.
الصعوبات أمام أطماع الرئيس التركي في سورية ربما ستكون مكاسب «درع الفرات» هي التجسيد للحد الأقصى المتاح له، لكن لا يمكن نعي الدور التركي المتزايد في سورية، قبل معرفة نيات إدارة الرئيس الأميركي ترامب بدقة، وإلى أي مدى ستذهب في التنسيق والتعاون مع روسيا، وكيف ستعالج الأزمة المستفحلة بين حليفيْها: تركيا والأكراد، فواشنطن – كما هو معروف- ليست في وارد التخلي عن تركيا، حليفها في «الناتو» والدولة التي لها وزن على مستوى منطقة الشرق الأوسط، ولكنها بالتوازي مع ذلك، لن تجاري أردوغان في أحلامه وأطماعه في سورية والعراق، ولن تفعل ذلك على حساب حليفها الكردي الموثوق.. لكن في الوقت ذاته، لن تتجاوب مع مطالب هذا الحليف الكردي المتجسدة في هدفه بتحقيق الاستقلال الكياني الذاتي الذي يداعب مخيلته.. بمعنى أن النقطة التي ستقف فيها الإدارة الأميركية بين الأكراد والأتراك لم تتضح معالمها بعد..
أما روسيا، فإلى جانب ما يُثقل علاقاتها مع تركيا من حذر، فقد رغبت في أن يكون لتركيا دور في سورية يتساوق مع حساباتها وأهمية الحرب على الإرهاب، ونجحت في إحداث الاستدارة التركية الأولى، مستفيدة من تداعيات الانقلاب التركي في 15 تموز 2015، إلا أن أردوغان المعروف بتقلباته وأنه شخص غير موثوق به، بدأ باستدارة ثانية لمجرد مكالمة واحدة مع ترامب.
إذاً، موسكو قلقة من استدارات أردوغان، ولكنها مع هذا وفي كل الحالات لن تسمح له بمقاتلة الجيش العربي السوري بدلاً من داعش الإرهابي.
إيران يسكنها إحساس بخذلان وخداع الرئيس التركي لها، بعد أن قدمت له الدعم القوي إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة على نظامه، وهي تنتظر الفرصة المؤاتية للرد على «نكران أردوغان للجميل الإيراني»، ولاسيما أن أركان نظامه تمادوا في الإساءة إلى إيران عبر اتهامها بدعم الإرهاب والتحريض على الفتن الطائفية والمذهبية، بل هم يسعون إلى إقامة تحالفات إقليمية ضدها بالتعاون مع دول الخليج العربي.
باختصار، إن خيارات «السلطان العثماني» في سورية تزداد تعقيداً مع تطورات الوضع الميداني لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه وخاصة بعد تحرير مدينة تدمر، ومع غموض الموقف الأميركي في ظل الإدارة الجديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن