ثقافة وفن

يفغيني غريشغوفيتش: بحار أصبح كاتباً ممثلاً ومخرجاً

| مها محفوض محمد

يتخلع في مشيته على المسرح شبه متردد، يتقدم وهو يشبك قدميه وكأنه يمشي على حبل فلا يكاد المشاهد يرى النهاية، يتوقف في المنتصف، وعلى خشبة المسرح كرسي وسطل ليدخل في مونولج طويل يقود المشاهد لأن يعيش تجربة فريدة مع ممثل يكشف التركيبة الإنسانية من دون أن يخفي شيئاً.
ذاك هو الممثل المسرحي والمخرج والكاتب الروسي يفغيني غريشغوفيتش الذي يصفه النقاد بظاهرة الفن الروسي المعاصر فهو الكاتب الذي أحسن توصيف قطار الحياة اليومي أكثر من أي شخص آخر كما عود الجمهور أن يرى في مسرحياته حواراً عميقاً حول ما هو مهم في الحياة.
غريشغوفيتش المولود في كيموروفو (سيبيريا الغربية) عام 1967 أحرز رقم غينيس في أطول دور أداء فردي على المسرح بدأ دراسته عام 1984 في مدرسة فقه اللغة في جامعة كوزباس وفي السنة الثانية قطع دراسته ليلتحق بالخدمة الإلزامية في أسطول المحيط الهادئ في جزيرة روسكي وكان خلالها يشارك في عروض مسرح الهواة. في عام 1988 أرسل إلى الاحتياط أيضاً وبالتوازي كان يقدم أعمالاً مسرحية في الاستديو وفي الجامعة ثم أنشأ المسرح المستقل «Loja» في كيموروفو الذي تم تقديم تسع مسرحيات له في هذا المسرح خلال سبع سنوات وفي العام 1998 ذهب ليستقر في مدينة كالينغراد حيث قدم خلال تلك الفترة أول عرض منفرد له «كيف كانت معاناتي» وهو عبارة عن مونولج تستحضر فيه الشخصية طفولتها حتى الخدمة الإلزامية كبحار ويروي للمشاهد المخاطر التي اعترضته خلال سن المراهقة وقد جرى تقديم هذا العرض على المسرح نحو 600 مرة لينال عليه يفغيني جائزة المسرح الوطنية « قناع الذهب» عام 2000 ثم جائزة النقاد وليصبح بعد أربع سنوات تلت المفضل لدى الجمهور كما لوحظ أن مسرحياته تستعيد مآثر الأدب الروسي وتذكر بأعمال تشيخوف ودوفلاتوف وفاسيلي شوكشين، قال عنه الناقد الأدبي يان شينكمان: إن نثر غريشغوفيتش هو أفضل وسيلة علاج للإنسان المتعب من مشوار الحياة التي لا يجد فيها لحظة للراحة.
في كتابه «القميص» يجذب القارئ إلى عمق الأشياء ويروي قصصاً مملوءة بالتفاؤل حيث يتوصل الراوي لإيجاد مخارج للحالات الصعبة وقد تم تسجيل الرواية مع بداية هذا العام على لائحة المرشحين لجائزة بوكر الروسية، وعلى الرغم من أن غريشغوفيتش يعيش بين كالينغراد وموسكو إلا أنه يعرض مسرحياته في جميع أنحاء روسيا وأيضاً في أوروبا ويشارك في مهرجانات فيينا وباريس وبروكسل وميونخ وبرلين، له العديد من المؤلفات الروائية والقصصية منها «المدينة»، «الكوكب السيار»، «في الوقت ذاته»، «شتاء»، «الوتد».
إضافة إلى ذلك فقد سجل ألبوماً للموسيقا مع فرقة بيغودي ثم بدأ التعاون مع فرقة بارنستورم وفي التلفزيون عمل مقدم برامج من تأليفه حيث يقرأ المونولوج حول موضوع ما كما كتب سيناريو ميلودراما وأدى فيه الدور الرئيسي.
خلال عام 2011 شارك يفغيني في البعثة البحرية الروسية إلى القطب الشمالي على متن سفينة مولتشانوف في زيارة إلى البحيرة الوطنية الروسية التي كان الهدف منها إحصاء عدد الدببة القطبية وعلى طول الرحلة كان يكتب مذكراته يوماً بيوم.
تقول عنه صحيفة لومانيته الفرنسية: هو كاتب يطلق العنان لتفكيره ويقدم لنا نصاَ متعدد الوجوه فيه رسالة فلسفية واستنباط علمي بتفاصيل توقظ انفعالاً مخفياً وذاكرة عقلنا الباطن، يذكرنا بكتابات كلود سيمون ومارسيل بروست حيث نفكر في الكتابة التلقائية بلغة محررة من أي رقابة ذاتية يقول كل ما يملي عليه الفكر من دون المرور عبر مصفاة المنطق فهذا الرجل يضعنا أمام أنفسنا أمام قلقنا وآمالنا.
وفي لقاء له مع الصحيفة ذاتها يقول غريشغوفيتش: بدأت مرحلة المسرح في موسكو بالحديث عن طفولتي ومراهقتي وشبابي، اليوم تقدمت في عمري ومسرحي يستدركني، لقد ألغيت المسافة تماماً بيني وبين مسرحي أشعر بأني على اتصال مباشر بالواقع وبالتالي أستطيع الكتابة عن المشاعر التي أحس بها: الحب، الوحشة، الشكوك التي تلاحقني ويضيف: قلت في أحد لقاءاتي إنني عاطفي ومنذ ذلك الحين لم يتوقفوا عن وصفي هكذا مع أنني اليوم أقول إنني شخص رومنسي يتحدث عن المدن من خلال عدسة الناس.
وعن حبه يقول: يمكننا أن نسافر كثيراً وأن نعمل من الصباح حتى المساء وقد يضنينا التعب ويصيبنا الزكام يمكن أن تعترضنا مشاكل مالية لكن في الوقت ذاته يمكن أن نكون سعداء لسبب بديهي هو أن أحداً ينتظرنا وليس أي أحد بل تلك التي أحلم بأنها تنتظرني، لقد فهمت في هذه الأثناء لمن أشتاق وأستوحش لغيابها فهمت لمن أحتاج في الحياة وأنا سعيد بأني أنجزت عملي من أجلها تلك التي أضناني حبها منذ زمن وسئمت من الانتظار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن