ثقافة وفن

موقف استعماري

| د. اسكندر لوقا

في عام 1944 تسلم اللورد غورت منصبه مندوباً سامياً في فلسطين وذلك باسم الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها ونشرت صورته الصحف الموالية للحركة الصهيونية في اليوم التالي تصفه بأنه خير من يمثل بريطانيا في فلسطين وربما كان أشجعهم في الدفاع عن سياسة بريطانيا حيال مستقبل المصير الفلسطيني.
وفي النبأ المرافق لصورة اللورد المذكور يرد جوابه عن سؤال أحد حضور المؤتمر الذي عقده بحضور عدد من الصهاينة حول ما سماه «الوطن القومي لليهود»: إذا كان السائل قد قرأ شيئاً عن تاريخ المنطقة وسمع باسم اللورد بلفور فلا أجد له مبرراً لطرح مثل هذا السؤال.
هكذا، بكل بساطة اختصر اللورد غورت الحديث حيال مستقبل المصير الفلسطيني بإحالة السائل عن مصير وطنه المزعوم إلى التاريخ، وبالتحديد إلى إحدى صفحاته السود في تاريخ بريطانيا وموقفها الاستعماري، في أوائل القرن العشرين.
ترانا بحاجة للتذكير أن اللورد أحال صاحب السؤال على سنة 1917، إلى سيرة اللورد آرثر جيمس بلفور، ذلك السياسي البريطاني الذي صاغ تعهد بلاده بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى. لا أعتقد أننا بحاجة للتذكير، لأن تعهد بلفور الذي سمي فيما بعد، بوعد بلفور، يعيش في عقل كل طفل عربي تلقى مقداراً ضئيلاً من المعرفة، مثلما يعيش في عقل كل طفل يهودي تغذيه الصهيونية ليكون رصاصة قاتلة دفاعاً عن حق مزعوم، وتلقنه هذا الدرس حتى مع قطرات الحليب الأولى التي تنسكب في فمه من ثدي أمه.
وبطبيعة الحال، لا ننسى أن اللورد غورت لا يختلف عمن حمل هذا اللقب أو لم يحمله من ساسة بريطانيا الذين كان دأبهم طمأنة الحركة الصهيونية أياً كان موقع زعمائها في العالم، بأن وطنهم المزعوم آت بمساعيها التي بذلتها بريطانيا العظمى وتبذلها على مدار السنوات منذ أن كان الوعد المشؤوم في عام 1917.
إن سياسة بريطانيا، في السر كما في العلن، لا يمكن لعربي قرأ التاريخ أن يركن إليها لأن عدداً من زعمائها ما زالوا يحلمون بمستعمرات لا تغيب عنها الشمس.
يقول عالم النفس المرضي مكاريوس (1818- 1901): إن الرغبة في امتلاك الشيء بلا مقابل مرض ينهش في جسم حاملها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن