ثقافة وفن

«المعلم» لم تطرح حلولاً وعلاجاً لما يحيط به من معاناة ومشكلات وآلام وهموم … الدراما قضت في معظم أعمالها على الصورة المثالية لـ«المعلم».. وحصرت دوره في كل ما يثير السخرية

| وائل العدس

يحتفل القطاع التعليمي في سورية خلال أيام شهر آذار من كل عام بيوم المعلم، الذي من المفترض أن يكون كياناً شامخاً يشكل وجدان الأجيال المتعاقبة بالعلم والمعرفة والقدوة الحسنة.
وبغض النظر إن كنا نحتاج إلى يوم نتذكر فيه المعلم أم إن المعلم أكبر من أن يكون له يوم في السنة، ومهما اختلفت الآراء حول صورته، فإن العالم بأسره يقر ويحتفل به منذ العام 1994 حيث أقرت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم يوماً له.
ويُقاس تقدم المجتمعات ورقيها بمستوى اهتمامها بالعلم والتعليم، وبمقدار احترامها للمعلم، الذي يعتبر صاحب الفضل الكبير في مسح الجهل من العقول، وهو اليد التي تمسك بيد الأجيال لتخرجها من ظلام الجهل، إلى نور العلم، ومهما ذكرنا من محاسن للمعلم فلن نوفيه حقه، ولن نبلغ القليل من واجبنا تجاهه.
حين نفكر قليلاً ونعود بالتاريخ للوراء نستنتج أن المعلم هو أساس تطور جميع البلدان، في جميع ميادين الحياة، وله الفضل في وصول كل شخصٍ في الحياة إلى هدفه وطموحه، وهو أولى الناس بالتبجيل والتعظيم.

ويُعتبر المعلم إحدى أهم أدوات النهضة لدى أي أمة من الأمم، فهو المربي الذي تنهض الأجيال على يديه، وهو أحد أهم مصادر المعلومات لدى الطلبة، والأهم من هذا أنه المسؤول عن صياغة العقول، وإظهار مواطن الإبداع لدى كل فرد من الأفراد، ولطالما انتشرت قصص أولئك العظماء الذين ما كانوا ليحفروا أسماءهم على صفحات التاريخ الإنساني لولا معلموهم الذين آمنوا بهم وكانوا بمنزلة الحواضن التي احتضنتهم وبثتهم في المواقع المختلفة التي يستحقونها.
يوم المعلم اتفق العالم وكنوع من أنواع التكريم للمعلمين على الاحتفال بهم كل عام، إذ تحتفل قرابة مئة دولة حول العالم بهذا اليوم المهم.
ويهدف يوم المعلم أساساً إلى تكريم المعلمين وتعظيم شأنهم في مجتمعاتهم، كما يهدف أيضاً إلى معرفة احتياجاتهم وتوفيرها لهم من أجل أن يؤدوا رسالتهم على أكمل وجه وأتم صورة ممكنة، ومن الأمور المهمة التي يهدف إليها أيضاً يوم المعلم الارتقاء بمهنة التعليم بشكل كامل والنهوض بها، فكما هو معروف فقد تراجعت هذه المهنة في العديد من مناطق العالم وخاصة في تلك المناطق التي تعاني الفقر الشديد والتي لا يجد فيها الناس قوت يومهم، ما فوت الفرصة عليها للنهوض واللحاق بركب الحضارة والأمم.

يوم المعلم حول العالم
على الرغم من أن قسماً كبيراً من دول العالم يحتفل بيوم المعلم في آذار، إلا أن هناك بعض الدول التي تحتفل به في أيام أخرى، فمثلاً يُحتفل بيوم المعلم في أفغانستان في الرابع والعشرين من شهر أيار، وفي الأرجنتين في الحادي عشر من شهر أيلول، وفي أستراليا في الجمعة الأخيرة من شهر تشرين الأول، وفي المجر في الأول من حزيران، وفي لبنان وفي البيرو في السادس من شهر تموز، وفي فلسطين في الرابع عشر من شهر كانون الأول وهكذا.
ولكن كيف كانت صورته بالدراما والمسرح؟ كيف تناول الكتّاب شخصية المعلم؟ وهل كانت واقعية أم كانت أقرب للسخرية؟

حركات هزلية

بأداء مبالغ فيه من الممثلين، وسلسلة من الحركات الهزلية قدّم كتّاب الدراما شخصية المدرس، وأصبحت نمطية الإبداع عند الاقتراب من تلك الشخصية درامياً تنحصر في كل ما يثير الضحك، حتى الأعمال التي حاولت تقديمه من منظور أنه صاحب رسالة سقطت في براثن طرحها في إطار أنه مغيب عن الواقع، وجعلت صدمته من الانحدار العلمي والأخلاقي للمجتمع وسيلة للضحك.
وقضت الدراما في معظم أعمالها على الصورة المثالية للمدرس، فقدمت هذه الشخصية، بطريقة نمطية أحياناً، وساذجة في أغلب الأحيان، وانحصر هذا الدور درامياً في كل ما يثير السخرية.
وشهدت الشاشة تجسيد المعلم في صورة مشوهة وأقرب إلى الاستهزاء، وظهر بشكل هزلي كأنه «مهرج» يتحدث بطريقة تثير الضحك والسخرية، وكان مربي الأجيال على الشاشة الفضية مادة للسخرية من جانب الطلبة، ليجعل مربي الأجيال عنصر الضحك الأول والأخير.
وعلى الرغم من أن تلك الشخصية مملوءة بالتفاصيل الدرامية التي تحتاج إلى أكثر من عمل فني لرسمها سواء بتناول حياتها الوظيفية أو الخاصة إلا أن المؤلفين والمخرجين اختصروا كل ذلك ليقدموا شكلاً متواضعاً لتلك الوظيفة المهمة الثرية بالكثير من المعاني والأبعاد الإنسانية.
«أيام الدراسة» مثلاً سلط الضوء على حياة الطلاب من وجهة نظر ساخرة من دون التطرق إلى حياة المعلمين وما تعكسه أجواء المدرسة على حياتهم حتى إنه لم يحاول إيجاد طريقة لطرح معاناتهم، وإن كان العمل قد حظي بمتابعة غير مسبوقة في أوساط المراهقين.
العمل من تأليف طلال مارديني، وإخراج إياد نحاس في الجزء الأول، ومصطفى برقاوي في الجزء الثاني وبطولة: وائل رمضان، ودينا هارون، وفاتن شاهين، وجيهان عبد العظيم، ومحمد قنوع، وشادي زيدان، ووائل زيدان، وعلاء قاسم، ونادين قدور، معتصم النهار، ومديحة كنيفاتي، ويامن الحجلي، وأيمن عبد السلام، وآلاء عفاش، وخلود عيسى، ورولا الأبيض، وميرنا المعلولي، وحازم زيدان، وخالد حيدر، وهامي البكار وآخرين.
«أشواك ناعمة» تحدث عن شرائح كبيرة من مجتمعنا من خلال طالبات مدرسة في المرحلة الثانوية، لنتابع معاناتهن في المدرسة، ونتعرف على مشاكلهن، كما نكتشف الحالة الاجتماعية التي يعشن بداخلها، لكن اللافت في العمل وبعيداً عن «الموجهة» المنفعلة دوماً يظهر دور المشرفة الاجتماعية الذي قدمته سلمى المصري، لتدخل إلى قلب البيوت، وتعرفنا على طبيعة الأوضاع داخل العائلة، وخصوصية المعاناة، ويصبح بإمكانها معالجة الكثير من المشاكل، فقدمت لنا نموذجاً فريداً لدور المعلم في تربية وتنشئة جيل سليم على أسس علمية وقواعد أخلاقية مهنية.
العمل من تأليف رانيا بيطار وإخراج رشا شربتجي، وبطولة: سلمى المصري، وسليم صبري، وخالد تاجا، وغادة بشور، وغسان مسعود، ومها المصري، وقصي خولي، ونادين سلامة، وإياد أبو الشامات، وجيهان عبد العظيم، وندين تحسين بيك، وسلافة معمار، ونبال جزائري، ودينا هارون، وروعة السعدي، وأناهيد فياض، وإيمان عبد العزيز، وجمال العلي.

مأخذ درامي
ما يؤخذ على الدراما أنها لم تسلط الضوء على النواحي السيكولوجية والنفسية التي تحيط بالمعلم وحياته؛ لأنه بالنهاية بشر، يشعر ويحب ويكره ويغضب ويفرح ويحزن.
هذه الشخصية لم تطرح حلولاً وعلاجاً لما يحيط بالمعلم من معاناة ومشاكل وآلام نفسية، وهموم حياتية؛ حتى تظهر شخصية المعلم بالصورة التي نرغب أن يكون عليها ويفهم المجتمع دوره في صناعة سواعد الأجيال وبناة الأوطان.

في مصر
في الدراما المصرية بدأت تتدهور المكانة الاجتماعية للمعلم وتنحدر نظرة المجتمع له، تمثل ذلك جلياً وانحصرت صورته بين المعلم الجشع، الذي يصارع من أجل الدروس الخصوصية والمعلم المهان المغلوب على أمره أمام تقلبات الزمن مع جرعة كبيرة من السخرية والاستهزاء من دور المعلم في المجتمع.
وإذا تناولنا بعض اﻷمثلة التي قدمتها مصر عن حال المدرس والمدرسة والتعليم بصفة عامة فسنلاحظ أنها قدمتها في أكثر من شكل كان أغلبها إما تشويهاً لشكل المدرس وإما السخرية منه ووضعه في إطار واحد فقط، حيث المدرس المطحون الغلبان.
مسلسل «جبل الحلال» سبب موجة من الغضب في أوساط المعلمين بسبب مشهد لمعلم بإحدى مدارس الثانوية العامة للبنات، وهو يتحرش بإحدى تلميذاته في الفصل، واعتبر المعلمون أن المشهد فيه إساءة بالغة لهم ويشوه صورة المعلم اجتماعياً، ويسيء إلى جميع المدرسين، مطالبين وزير التربية والتعليم بالتدخل لوقف ما اعتبروه إهانات من صناع الدراما في حق المعلمين.
في مسلسل «صاحب السعادة» يظهر الفنان أحمد عيد الذي يجسد دور مدرس لغة عربية، والذي يستعين به الفنان عادل أمام لكي يعطي أحفاده دروساً خصوصية، ويتضمن المسلسل عدداً من المشاهد التي ترصد فقدان المعلم «حسن» لهيبته أمام الطلاب الصغار، الذين يرفضون حضور الامتحان الذي قرر أن يعقده لهم معلمهم باعتبار أنهم ليسوا في «المود»، ولا مزاج لهم لدخول امتحانات، فضلاً عن تلجج المعلم طوال مشاهد المسلسل أمام التلاميذ الصغار.
بالانتقال إلى المسرح نجد أن «مدرسة المشاغبين» عبرت عن فوضى كبيرة وعدم انضباط وتوحش غريب من الطلبة تجاه المدرسين، وكأن أبطالها يؤكدون ضرورة وجود قانون صارم يضبط هؤلاء الطلبة.
بشكل عام تناولت الدراما العربية على مر العصور شخصية المعلم بصور متفاوتة ومتباينة أحياناً، وسلطت الضوء على دوره في العملية التعليمية خاصة، وأثره في الحياة عامة.
ويجب أن تعود الدراما للتركيز على دور المدرس وكيف أنه معلم قدوة ويمثل دعامة أساسية من دعامات الحضارة فهو صانع أجيال وناشر علم ورائد فكر ومؤسس نهضة وإذا كانت الأمم تقاس برجالها فالمعلم هو باني الرجال وصانع المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن