اقتصاد

وشاخت الحرب وما زلنا في المقاومة فتياناً

| بلقم الدكتور عبد الله الغربي 

   وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك

تساءلت في نفسي… هل لا تزال فتية كما كانت قبل ست سنوات؟ وهل ما يزال الجسد الأسر لكينونتها كما كان؟!
خذلتني الأحرف رويداً قبل أن تتجمع في مخيلتي كالرصاصة، وتنطلق بالإجابة… بعد استعراض بسيط لشريط الذكرى الذي تختزنه الذاكرة ضمن حجرات يصعب محو فحواها، تبقى حتى بعد الموت، هي ذاكرة الضمير، الذي تنبض به الشعوب الحرة والحية.
آلاف العوائل السورية، وهم يزدادون كل يوم ثباتاً وإصراراً، وهم يعانون الأمرين في الحصول على كل شيء بسبب الحرب، حصار فرز حيتاناً تتحكم في مصائر البشر، حتى باتت تؤثر في أدق تفاصيل حياتهم، وأمراء حروب فُقدت من قلوبهم الرحمة والشفقة، لكن رغم ذلك ستلقى الناس بوجوه سمحة، يغلب عليها البؤس والعزة، تشع إباءً وشموخاً، تغلفهم روح النكات، المضحك المبكي على واقع مؤلم، لكن السوريين يتجذرون من منبت التحدي، عندما كونت طينتهم كانت في وعاء الحكمة، على موقد الصبر، مضافاً إلى القدر قطرات من العظمة، ورفض الظلم والأنفة والصدق والمقاومة.
ست سنوات عجاف مرت، ولم تلن العزيمة، ولم تهن النفوس وتخضع أمام الغزو الوحشي، ولم يترك السوري أرضه رغم الإغراءات، فعندما تقصد الشارع وتدخل بيوت المواطنين، سترى في كل بيت حكاية تجعلك تنحني خجلاً وخشوعاً، لدرجة أن الدمعة تخذلك، وللحظة تزهد بكل شيء أمام عظمة ما ترى وتسمع، لتغدو كل المناصب في بصرك مجرد محطات آنية، ستنتهي في لحظة، وما سيبقى هو موقف صادق مع محتاج، حاولت الحرب إذلاله فما ذُلَّ ولا ركع.
ست سنوات كانت كفيلة بهدم أركان أعتى الإمبراطوريات في العالم، لكنها كُسرت في سورية، وسحقت تحت أقدام الشرفاء من أبناء الوطن، وهم يجسدون أروع ملاحم التضحية، والاستهزاء بالحرب رغم اشتدادها واستعارها وعنجهيتها، وشاخت الحرب وما زلنا في المقاومة فتياناً.
نعم شاخت الحرب، وما زال الشعب السوري يقدم، ويضحي بالغالي والنفيس، وما زالت الطبقات الفقيرة تقدم أبناءها قرابين لوقف حرب ظالمة، فرضت على هويتهم، وانتمائه، ومستقبلهم، وما زال سادة الإرهاب والرجعية العربية تحاول، لكن عبثاً، فكيف سيهزم بيت قدم أولاده شهداء؟ وكيف ستهزم عائلة يذهب فيها الأب ليدافع عن أرضه، وزوجته تعاني في تأمين اسطوانة غاز، أو وقود التدفئة لأطفالها لكن الموقف تشبث في الأرض من الطرفين؟ وكيف يهزم شعب أبناؤه تركوا كل ما يملكون، وهبوا للذود عن وطنهم تاركين الملذات، لتمتزج قطرات العرق من جباههم الشامخة بالبارود والدم، لكن الرسائل المتبادلة بين الأهل والأبناء أن لا تحزنوا، فالوطن هو العنوان؟
نعم الوطن هو العنوان لتلك الطبقات، وحيث تتنقل ستلقى في كل شارع، وزقاق وبيت حكاية، همشت مشكلاتها وغيبت، ولأن التفات الدولة لموضوع الغزو الخارجي، من أقذر أجناس البشر في العالم أولى من أي شيء، وجدت البيئات الفاسدة أرضها الخصبة لتنمو، فغدت هي الوجه الآخر للإرهاب، ولأن الدولة هي الضامن الوحيد، والشرعي لحقوق المواطنين، أعطيت الأوامر والتوجيهات الصارمة لاجتثاث مؤسسة الفساد بأي ثمن، وهي مرحلة القرارات الجريئة التي تعتمد على تقليل التكاليف وزيادة الإيرادات وإعادة تفعيل وإحياء القطاع العام وفق توجيهات سيد الوطن في أكثر من مناسبة.
اليوم ونحن على أعتاب الانتصار النهائي والخلاص لسورية، لا يسعنا إلا أن نكون أوفياء لتلك الدماء، وحيث يراقب خطانا الشهداء في السماء يجب علينا أن نصون الوصية ودموع الأمهات، فكيف ننسى حصار الأبطال في مشفى الكندي بحلب الذين أذلوا الحصار؟ وكيف نتغافل ونتجاهل معاناة كفرية والفوعة الذين تحدوا جبروت الإرهاب حتى أذلوه؟ وكيف ننسى دير الزور، وأبطال سجن حلب، ومفرزة جسر الشغور، والفرقة 17 ومطار الطبقة، وعدرا العمالية، وخان العسل، وريف الساحل السوري،.. وغيرها، كل تلك الدماء أثلمت سواطير الإرهاب وحطمتها؟ لذلك نحن نتبع ضميرنا، وواجبنا الأخلاقي والإنساني، ونهج القائد المؤسّس حافظ الأسد، وتوجيهات السيد الرئيس بشار الأسد في صون الكرامة.
ست سنوات عجاف، شاخت الحرب فيها، وما لانت عزائمنا، وما زلنا في المقاومة فتياناً، ندخل كل يوم في مدرسة صمود مستمدة من شارعنا السوري المقاوم، وتتنوع المدارس بين شباب يتصدون لأعتى إرهابيي العالم، وينتصرون بأجسادهم العارية، وشباب يصرون على محاربة الفاسدين، وعوائل فقدت كل شيء إلا تشبثها بهذه الأرض ونحن نمتلك الكثير من الإمكانات، فهل سنخشاهم؟
الجواب هو أننا لن نتهاون مع الفاسدين، وقد قدمنا أبناءنا شهداء لنقضي عليهم، والمسألة تحتاج إلى وقت وجهد كبير لكننا مؤمنين بالنصر خلف قيادة السيد الرئيس وحكمته، ومؤمنين بوطننا الذي يدفعنا لبناء مستقبل أولادنا، وأحفادنا وسيبقى آذار كما أراده القائد المؤسّس حافظ الأسد ومن خلفه جماهير سورية وليس كما أرادته قوى الشر ومن خلفها دول الرجعية العربية.
ويبقى العهد للشهداء الأحرار الذين تحرروا من سجن الجسد والدنيا، وسيجوا الوطن بدمائهم الطاهرة، فشكلوا حصوناً منيعة، صانوا من خلالها كرامتنا، بكم انتصرنا وسننتصر يا من منحتم لنا المجد والحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن