سورية

تحالف الموك القاعدة لم ينجح باختراق دمشق

| عبد اللـه علي

لم يكن تسخين جبهة جوبر شرقي دمشق أمراً مفاجئاً، وخصوصاً بعد خسارة الفصائل المسلحة للثقل الإستراتيجي الذي كانت تمثله مدينة حلب في موازين الصراع الدائر في سورية منذ ستة أعوام. لذا كان لا بد من إيجاد بديل من هذا الثقل من أجل استخدامه في الجولة الخامسة من جنيف المزمع انعقادها غداً الخميس، وهو ما لا تعوضه مدينة أخرى غير دمشق.
ولم تكن الرغبة في امتلاك أوراق قوة في المفاوضات وحدها التي دفعت الفصائل المسلحة في جوبر إلى مغامراتها الانتحارية المتتالية على مشارف دمشق. فهناك أيضاً مصالح اقتصادية كبيرة باتت مهددة جراء شروع الجيش السوري في محاولة توقيع تسوية مع حيي القابون وتشرين. حيث استشعرت الفصائل المسلحة في جوبر أنها ستخسر ملايين الدولارات التي تعود إليها حصيلة تجارتها بالمواد الغذائية وقوت الناس مع هذين الحيين، إضافة إلى ما يمثله ذلك من تضييق عسكري عليها قد يسهل انقضاض الجيش السوري عليها في أي وقت.
لكن تسخين جبهة جوبر باعتبار تماسها الجغرافي مع العاصمة دمشق، من شأنه أن يحقق للفصائل المسلحة مكاسب أخرى من أهمها محاولة زرع الرعب في قلوب المواطنين وزعزعة الأمن والاستقرار ثم تشويه صورة العاصمة وإظهارها بمظهر المدينة غير الآمنة.
غير أن هذه المعطيات إذا كانت تفسر إقدام الفصائل على الانتحار على مشارف العاصمة، فإنها تفسر أيضاً طبيعة رد الجيش السوري على هجمات هذه الفصائل وإصراره على منعها تحقيق أي تقدم مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات، لأن العاصمة أكثر من خط أحمر ومن غير المسموح التلاعب بأمنها واستقرارها، وهو ما أثبته الجيش فعلاً لا قولاً من خلال تصديه أمس للجولة الثانية من هجوم الفصائل في جوبر.
وفيما ادّعت الفصائل أنها تنفذ المرحلة الثانية من هجومها، إلا أن الأمر لم يكن أكثر من محاولة تكرار سيناريو الهجوم الأول نفسه الذي عجزت فيه الفصائل عن تحقيق أي تقدم ميداني، ما جعل حديثها عن مرحلة ثانية في غير محله.
وأفاق سكان العاصمة فجر أمس على صوت انفجار ضخم تبين أنه ناتج عن مفخخة يقودها انتحاري كانت إشعاراً بإطلاق الموجة الثانية من الهجوم. أعقب ذلك اشتباكات عنيفة على جميع محاور القتال بين الجيش السوري من جهة والفصائل المسلحة من جهة ثانية. واستمرت حالة الكر والفر في بعض النقاط مثل شركة الكهرباء ومعمل الكراش والخماسية لعدة ساعات قبل أن يتمكن الجيش من احتواء الهجوم ومنعه تحقيق هدفه الأساسي المتمثل بوصل حي جوبر مع حي القابون. كما بذل الجيش جهوداً كبيرة لإجهاض أي محاولة اختراق قد تكون لها تداعيات على أمن العاصمة، فحمى منطقة كراج العباسيين التي تعتبر من الأهداف المهمة في نظر الفصائل لما يمكن أن يترتب عليها من آثار خطرة.
وحسب وكالة سانا فإن وحدات من الجيش السوري أحبطت هجوماً شنّه «تنظيم جبهة النصرة والمجموعات التكفيرية التابعة له» على اتجاه شركة الكهرباء ومنطقة المعامل شمال حي جوبر على الأطراف الشرقية لدمشق.
وشن سلاح الجو في الجيش السوري ضربات مركزة ومكثفة صباح أمس، على تجمعات الفصائل المسلحة التي حاولت فجر اليوم ذاته التسلل إلى نقاط سيطرة الجيش السوري شمال جوبر على أطراف دمشق.
وأعلن مصدر عسكري أن «مجموعات الاقتحام وبإسناد من مختلف الوسائط النارية واصلت سحق من تبقى من المجموعات الإرهابية التي تسللت إلى محيط معمل الغزل شمال جوبر وألقت القبض على عدد من الإرهابيين».
وفي وقت سابق أكد مصدر عسكري تضييق الخناق على إرهابيي «جبهة النصرة» الذين تسللوا صباح أمس إلى محيط منطقة المغازل شمال جوبر على الأطراف الشرقية لمدينة دمشق.
وقد شاركت في الهجوم بجولتيه الأولى والثانية كل من فصائل «جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» و«أحرار الشام» على تفاوت بينها حول الأهداف النهائية من المعركة. على حين لم يشارك «جيش الإسلام» بسبب خلافاته السابقة مع كل من «الفيلق» و«الجبهة».
غير أن المتحدثين باسم «جيش الإسلام» سارعوا، أمس، إلى محاولة رأب الصدع عارضين تقديم مؤازرتهم للفصائل المشاركة في الهجوم. وأكد حمزة بيرقدار المتحدث الرسمي باسم «هيئة أركان جيش الإسلام» في تغريدات على حسابه على «تويتر» عدم معرفة «جيش الإسلام» بهذا الهجوم وإلا ما كان تخلف عنه. وأضاف بيرقدار: «رغم ذلك فإننا نكرر جاهزيتنا الكاملة للزج بكل ثقلنا في المعارك الدائرة الآن في جوبر ونتواصل مع إخواننا هناك لتنسيق العمل وإرسال المؤزرات». ولم يصدر عن الفصائل المشاركة أي رد فعل على هذا الاقتراح، ويرجح أن ترفض «جبهة النصرة» مشاركة «جيش الإسلام» لعدم ثقة الطرفين ببعضهما البعض وخصوصاً منذ معركة المليحة في ريف دمشق وتبادلهما الاتهامات بشأن المسؤول عن خسارتها.
وتؤكد معلومات حصلت عليها «الوطن» من مصدر خاص أن «جبهة النصرة» هي التي تقود الهجوم على أرض الواقع وأن القيادي فيها أبو أحمد حلاوة هو القائد الميداني لغرفة قيادة العمليات.
ويعتبر التحالف بين «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» جديداً نسبياً، إذ بدأ العام الماضي بهدف مواجهة نفوذ «جيش الإسلام» وحصلت بين الطرفين معارك عنيفة سقط خلالها مئات القتلى. ويأتي هذا التحالف رغم أن «فيلق الرحمن» مدعوم من «غرفة الموك» التي تديرها الاستخبارات الأميركية، وهو ما يدحض مزاعم الولايات المتحدة أنها تحارب الإرهاب. وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة هجرة «الفصائل المعتدلة» المدعومة أميركياً إلى أحضان «القاعدة» والتحالف معها أو مبايعتها. وقد كانت «حركة نور الدين الزنكي» خير مثال على ذلك في حلب، وهاهو «فيلق الرحمن» يكرر الأمر نفسه في دمشق.
وبجميع الأحوال، من المرجح أن يستمر التصعيد في محيط دمشق لعدة أيام بالتوازي مع انعقاد مؤتمر جنيف، لتكون الاحتمالات بعد ذلك مرتبطة بما سينتج عن جلسات التفاوض وطبيعة ردود الأفعال الإقليمية والدولية عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن