الأولى

قمة «الميت»!

| بيروت – محمد عبيد 

اختيار «البحر الميت» مكاناً لانعقاد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة يشكل توصيفاً واقعياً لحال هذه الجامعة وقمتها الحالية.
من المؤكد أننا لسنا في زمن قمة لاءات الخرطوم العام 1967 كما أننا لسنا في زمن قمة «مبادرة السلام» – بيروت العام 2002 ولا نحن في الزمن السياسي والقومي الفاصل بينهما. إذ إنه من الصعب إن لم يكن مستحيلاً وصف زماننا بالمقارنة مع المبادئ التي قامت عليها الجامعة العربية التي كان من المفترض أن تلتقي فيها الدول والأنظمة لتعبر عن إرادة الشعب أو بالأصح الشعوب العربية كما هو حالها اليوم.
ولعل قمة اللاءات الثلاثة «الناصرية» في الخرطوم كانت المحطة التي توقف عندها النظام السعودي متسائلاً عن دوره وحجمه في المنظومة العربية التي اختصر وهجها وحركات استقلالها وتحررها آنذاك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر انطلاقاً من شخصه وموقع مصر في تلك المنظومة وكمقرٍ دائم للجامعة العربية.
كان من الصعب إقصاء مصر عن ريادتها للعالم العربي على الرغم من تداعيات نكسة حزيران من العام نفسه والتي لم تدفع قيادة الجامعة العربية إلى التراجع عن التمسك بالمواقف-الثوابت فيما يعني الصراع مع العدو الإسرائيلي ومعه بقية أركان العدوان الثلاثي ومن خلفهما الولايات المتحدة الأميركية. إنما لم يكن صعباً أبداً البحث سراً عن بدائل لإضعاف هذه المؤسسة العربية الجامعة بحيث كانت حادثة إحراق المسجد الأقصى في شهر آب من العام 1969 ذريعة لتأسيس «منظمة المؤتمر الإسلامي» (لاحقاً التعاون الإسلامي) في شهر أيلول من العام ذاته والتي اتخذت من جدة مقراً مؤقتاً بانتظار تحرير القدس، كما ورد في بيان التأسيس! كان من المفترض أن تكون هذه المنظمة التي أضافت الى الدول العربية دول إسلامية إطاراً مكملاً ومسانداً وداعماً بالوسائل المتوافرة كافة في سبيل تحرير فلسطين لا أن تكون مؤسسة بديلة تهرب إليها بعض الأنظمة العربية لتمييع التزاماتها القومية، كيف لا ومعظم أعضاء هذه المنظمة دولا إسلامية (إيران وباكستان..) كانت تجمعها مع تلك الأنظمة التبعية السياسية للبريطاني والأميركي والفرنسي!
عوَّضَ صعود نجم القائد حافظ الأسد في حرب تشرين العام 1973 وبعد رحيل الزعيم عبد الناصر لجهة إعادة الإمساك بدفة القرار العربي ضد إسرائيل والغرب الداعم لها، وذلك على الرغم من الخروج المدوي لمصر من الثوابت القومية قبل وبعد توقيعها على ما سمي معاهدة الصلح مع كيان العدو الإسرائيلي في كامب دايفيد في شهر أيلول من العام 1978 الذي استتبعه تلقائياً نقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس.
كان الخروج المصري التحول الأول في مسار إنهاء وحدة الموقف العربي ومن ثم تبعته محاولات لإشغال سورية تمهيداً لإسقاط النظام فيها وذلك عبر تحريك مايسمى «جماعة الإخوان المسلمين» في الداخل السوري. وجاء التحول الثاني من خلال إقدام النظام السعودي على تأسيس منظمة انشقاقية عن الإطار العربي الجامع تحت اسم «مجلس التعاون لدول الخليج العربي». أما التحول الثالث والأبرز فقد تمثل في تغطية دول عربية للاجتياح الإسرائيلي للبنان حزيران العام 1978، حيث كان يسعى النظام المصري آنذاك لأن يكون له شركاء في مشروع «السلام» مع العدو كما كان يرغب النظام السعودي في خلط الأوراق في المنطقة عبر إخراج الثورة الفلسطينية من بيروت مهزومة ودفع سورية للانكفاء الى داخل حدودها، وبالتالي تدمير سور الحماية القومي الذي مكَّنها من صد كل المحاولات لتطبيع الواقع العربي مع العدو وفق نظرية «الواقعية السياسية» التي كان يروج لها آنذاك. وبناء على ذلك كله، كان من الطبيعي أن يكون الهدف الأول للنظام السعودي ومن معه ومن خلفه أن يُخرِج سورية من جامعة الدول العربية لإعادة صياغة مواقف-ثوابت جديدة تنهي حالة العداء ضد الكيان الإسرائيلي وتنصبُها في الوقت عينه ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي من المفترض أنها عضو شقيق في منظمة التعاون الإسلامي، وأن يستنسخ أيضاً الموقف الأميركي-الإسرائيلي من حركات المقاومة وفي مقدمها حزب الله.
يفترض بعض السذج أن وضع العلم القومي على طاولة المقعد السوري في الجامعة العربية مقدمة لعودة سورية-الدولة الشرعية إلى هذا المقعد، لكن أحداً لم يسأل سورية عن موقفها حول تلك البنود التي أخرجت جامعة العرب من عروبتها ومن خياراتها القومية وعلى رأسها قضية تحرير فلسطين.
في أي حال، أين المصلحة السورية في مشاركة بعض الأموات قومياً اجتماعاً لإحياء ميت!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن