سيناريو أميركي لسورية
| مازن بلال
ينتهي جنيف بحدود دنيا من الحركة السياسية، فإيقاعه العام كان يتبع التطورات العسكرية في دمشق وحماه وصولاً إلى الجزيرة، وفي الوقت نفسه ظهر التفاوض على خلفية إخفاق لقاء أستانا في إعادة جمع الفصائل المسلحة مع الحكومة السورية، والجولة الأخيرة مثلت تحدياً سياسياً في «عقد اللقاءات» وذلك بغض النظر عما يتم تحقيقه، فموسكو المتمسكة بتتابع العملية السياسية، بذلت جهدا في تظهير لقاءات جنيف، وأرسلت نائب وزير خارجيتها غينادي غاتلوف لتنشيط عملية التفاوض بعد أن تعثرت في أيامها الأولى.
لكن المشهد الحقيقي لجمود عملية التفاوض يبدو معلقا على طبيعة السيناريو الأميركي، وقدرة واشنطن على إدارة التحالفات في معركة الرقة وفي شرقي الفرات عموما، وربما يكون التحرك الأميركي في تلك المنطقة أهم بكثير من كل الخروقات التي قامت بها الفصائل المسلحة فما حدث عشية جنيف هو إرباك في التحالفات الإقليمية، فلا تركيا كانت قادرة على رسم تصور للدور الكردي مستقبلا، ولا حتى السعودية استطاعت دفع التوازن لمصلحتها رغم التحركات العسكرية للمجموعات المدعومة منها.
عمليا، حركت واشنطن المشهد بالكامل من خلال مجموعات «رمزية» من قواتها لدعم ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية»، وهذا التحرك يحمل ثلاثة أمور أساسية:
– الأول إنهاء الجدل بشأن المفاضلة بين الأكراد والأتراك، فالرسالة هنا هي الإشراف المباشر للبنتاغون على العمليات العسكرية باتجاه الرقة، وهو ما دفع تركيا للإعلان عن نهاية عملية درع الفرات، فالولايات المتحدة أرادت خلق واقع لا علاقة للأطراف التقليدية في المعارضة السورية به.
التجربة الأميركية السابقة في الصراع في سورية كانت ضمن هامش الدول الإقليمية المنخرطة في الأزمة، وهو ما دفعها اليوم لتولي المبادرة رغم كل المشاكل التي تعاني من إدارة ترامب، ولتحديد أولويات جديدة لا تتعلق بأهداف «الفصائل المسلحة»، ولهذا الأمر دلالاته العميقة، فتصريحات الخارجية الأميركية بشأن سورية أوضحت أن التغيير السياسي العميق لم يعد مطلوبا، بل إيجاد هدف آخر للتحكم بالهدف الأساسي لواشنطن المرتبط بإيران أولا وأخيراً.
– الثاني: خلق تماس حقيقي مع روسيا، فعلى ضفاف الفرات تتلاقى القوى الكبرى، وهو ما سيفرض قواعد مختلفة ربما تفرض على الجميع العودة إلى البحث عن التوازن بدلاً من اللعب به، وتبدو موسكو هادئة تجاه التحركات الأميركية، ولا تبدي قلقا تجاه إعادة الانتشار الأميركي في المنطقة، ويعكس هدوءها معرفة واضحة بخطورة ما يحدث حالياً.
السيناريو الأميركي لسورية ينطلق من تحركات ما بين شرق وغرب الفرات، والهدف الأساسي هو تبديل المشهد القائم منذ ست سنوات على إحداث انعطافة قصوى في سورية، فهي تريد أساسا الحد من التفرد الروسي في إقامة نظام شرق أوسطي مبني على وجود تفاهمات روسية إيرانية تركية، وهو ما كانت لقاءات الأستانا تسعى إليه، وواشنطن استطاعت إحراج تركيا وربما إزاحتها ولو لفترة من المشهد القائم في الجزيرة، وتريد في المقابل الضغط على روسيا لإخراج إيران من المعادلة، فالشكل النهائي للشرق الأوسط وفق التصور الأميركي هو مهمة دولية وليست إقليمية، والتماس مع روسيا على الأرض السورية هو محاولة توازن خطرة لأن فيها الكثير من الاحتمالات، فسيناريو الأميركي يقف على منطقة حرجة ولكنه في الوقت نفسه مصر على فرض قواعد على الإقليم وليس بالضرورة على موسكو.