ثقافة وفن

تحليل المحتوى تاريخه طويل يتعدى الخمسين عاماً في مجالات الاتصال

| سارة سلامة

كتاب «الدليل إلى تحليل المحتوى» تأليف د. كمبرلي. أ. نيوندورف، ترجمة د. جورج قسيس، صدر عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب، ويتضمن مدخلاً إلى تحليل المحتوى، ظهوره وتطوره، فلسفته، مجالات استخدامه، إجراءات تطبيقه، والعمليات اللازمة لاستخلاص نتائجه وتحليلها.
جاء الكتاب في فصول تسعة وكل فصل احتوى على أجزاء متعددة ومن هذه الفصول: «تعريف تحليل المحتوى، المتغيرات والتوقعات، تقنيات القياس، الثبات، السياقات».
وقد ازدادت تطبيقات تحليل المحتوى في الآونة الأخيرة في الكثير من القطاعات السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية والأدبية والفنية والتربوية والطبية، واهتم به المتخصصون في هذه القطاعات المختلفة الذين يتطلعون إلى التعرف على ما يمكن فهمه واستخلاصه ليس من مجرد قراءة السطور في النصوص والرسائل، وإنما الكشف أيضاً عما ترمي إليه هذه السطور من معان ومقاصد مضمرة قد تشكل المضمون الحقيقي الذي يبنى عليه، لهذه النصوص والرسائل.

المقدمة

تقول المؤلفة في مقدمة الكتاب: «إن تحليل المحتوى له تاريخ طويل يتعدى الخمسين عاماً من الاستخدام في مجالات الاتصال، والصحافة وعلم الاجتماع وعلم النفس والأعمال، وتنبع طرائقه بالدرجة الأولى من العمل في العلوم الاجتماعية والسلوكية، ولكن تطبيقاته بلغت مجالات بعيدة كالقانون والرعاية الصحية، ولقد انخرطت في دراسات مستخدمةً طرائق مختلفة من تحليل المحتوى على مدى ربع قرن».
استندت المؤلفة إلى خبرتها الشخصيّة كمرمزة، أو كباحثة رئيسة، أو كمستشارة فيما لا يقل عن 100 تحليل للمحتوى، قامت بتطوير رؤية واضحة لما يمكن أن يكون عليه تحليل المحتوى، عندما يطبّق بحرفية عالية. وحافظت في عملها على الالتزام بتمركز تحليل المحتوى على بحوث الاتصال، وكرست جهودها للارتقاء بالمعايير الخاصة بتحليل المحتوى.
وهدفها من كتابة الكتاب الحالي أمران متعارضان إلى حدّ ما، هما:
الجمع بين المدخل العلميّ القويّ والمعايير المنهجية العالية من جهة، مع طريقة عملية يجد فيها الفائدة كل من الأكاديميين والمتخصصين في الصناعة، وتوفر الملاحق الخمسة في هذا الكتاب للقارئ أدلة لأرشيفات الرسائل، ومقارنات لبرامج تحليل النصوص الحاسوبية.
وقد صمّم هذا الكتاب لأجل الطلبة المتخرجين وقيد التخرج الذين يدرسون الاتصال، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وما إليها من العلوم الاجتماعية.

تعريف تحليل المحتوى
يعد تحليل المحتوى من أكثر تقنيات البحوث الكمية سرعة في النمو والتطور، وقد ساعد التقدم في العلوم الحاسوبية على إجراء دراسات منهجية على مختلف أنواع الرسائل وفرت الكثير من الوقت والجهد مع أنها لم تكن دائماً الأفضل.
يسود الاعتقاد عند بعض الناس أن تحليل المحتوى هو الإجراء الأسهل في البحث العلمي، أو هو أي شيء يقوله الباحث أو الطالب الذي يجري بحثاً علمياً، وبالتالي فأي فرد يستطيع إجراءه دون الحاجة إلى التدريب أو الإعداد المسبقين.
ويستند التحليل إلى أوصاف «غنتر» وتتمثل هذه الطرائق بالآتي:
التحليل البلاغي، التحليل القصصي، تحليل الخطابات، التحليل البنيوي أو تحليل الدلالات، التحليل التفسيري، تحليل المناقشات، التحليل النقدي، التحليل المعياري.
وسنأخذ كمثال «التحليل القصصي»: تتضمن هذه التقنية وصفاً للبناء القصصي الشكلي إذ يتركز الاهتمام على الشخصيات، صعوباتها، وخياراتها، ونزاعاتها، وتعقيداتها، وتطوّراتها.
ولا يهتم المحلل هنا بالنص بحد ذاته، وإنما بالشخصيات بوصفها حاملةً للقصة، وينهمك التحليل بإعادة تركيب أسلوب تأليف القصة، والافتراض هنا هو أن الباحث قارئ كفؤ للقصص، ومن أكثر تطبيقات هذه التقنية تعقيداً وإثارة للاهتمام، تحليل «بروب» 1968م الشامل لقصص الجنّ والذي حدد فيه الأدوار العامة للشخصيات «كالبطل، والمساعد، والمسعف، والساذج، والسيّاف»، كما حدد سلسلة خطيّة متماثلة من العناصر في القصة «كالحالة الأولية، والانذهال، والحرم» وكذلك الوظائف الخاصة في القصة «كالتنكّر، والمطاردة، وتبديل المظهر، والعقاب».

تقنيات القياس
يتضمن هذا الفصل مقدمة في نظرية القياس والمعايير المهمة لقياس الصدق والدقة، والثبات، ويناقش الملامح العملية للقياس في تحليل المحتوى، من أجل تحليل النصوص مع التضادات بين الترميزين اليدوي «الإنساني»، والحاسوبي.
تعريف القياس: لعل أوضح تعريف للقياس هو ما توافر لنا من توصيف «س. س. ستيفن»، الكلاسيكي له «القياس هو تعيين أرقام لأشياء أو أحداث وفقاً لقواعد مرعية»، وفي تحليل المحتوى، نحتاج ببساطة لأن نفكر في الأشياء أو الأحداث على أنها وحدات رسائل، ويتفق التأكيد على الأرقام والقواعد مع أهداف تحليل المحتوى كما سبق أن أوجزنا في هذا الكتاب، وهذا الفصل مكرّس لتطور القواعد التي يتم من خلالها تعيين الأرقام والقواعد مع أهداف تحليل المحتوى.
وهناك عدة معايير للقياس: الثبات، الصدق، الصحة، الدقة.
كيف تتداخل المعايير: بالمعنى العام الصدق هو معيار الحصول على قياس «سليم»، ويمكن النظر إلى الصدق على أنه يتضمن معايير الثبات، والصحة «الخلو من التحيز، الخطأ غير العشواائي»، والدقة أي إن القياس لا يمكن أن يكون صادقاً إذا لم يكن ثابتاً، وصحيحاً، ودقيقاً نسبياً ومن جهة أخرى، قد يكون المقياس ثابتاً، وصحيحاً، ودقيقاً، ولكنه لا يزال غير صادق.

الثبات
يمكن تعريف الثبات بأنه المدى الذي تجني فيه إجراءات القياس النتائج ذاتها، في محاولات متعددة، وعندما يستخدم المرمزون اليدويون في تحليل المحتوى، فهذا التعريف يترجم إلى ثبات بينيّ بين «المرمزين»، أو ما يعني مقدار الاتفاق أو التطابق بين مرمزين اثنين أو أكثر.
وتنصب المناقشة في هذا الفصل على تقنيات الترميز اليدوي، مع دراسة كيفية إجراء ثبات بيني عالٍ، ويضم أيضاً مجموعة من معاملات الثبات البينيّ بما يتضمن صيغها، ويلفت النظر إلى استخدام مرمّزين يدويّين متعددين، وهو تقنية يتم تجاهلها على نطاق واسع في الأدبيات المنهجية السائدة.

عن المؤلفة
مؤلفة هذا الكتاب د. كمبرلي أ. نيوندورف، حازت شهادة الدكتواره من جامعة ميتشيغان، وتعمل أستاذة ومديرة لـ»مركز بحوث الاتصال»، في جامعة كليفلاند، حيث تدرّس منذ عام 1988 مجموعة من المقررات عن وسائل الاتصال، والتقنيات الحديثة، والأفلام، وطرائق البحث، كما شاركت على مدى 25 عاماً في العديد من الدراسات المتصلة بتحليل المحتوى، مستخدمة طرائق بحث مختلفة، وركز بحثها الأخير على صور الجماعات المهمشة في وسائل الاتصال، وانتشار التكنولوجيا الجديدة، وعلاقة استخدام وسائل الاتصال بإدارة المشاعر والطباع.
ويذكر أن الدكتور جورج قسيس من مواليد يبرود، حائز الدكتواره في التربية «المناهج وطرائق التدريس»، عام 2000، عضو الهيئة التدريسية لكلية التربية في جامعة دمشق ويعمل في عدد من الجامعات السورية الأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن