ثقافة وفن

بدأت الاستقلاليّة في قصيدتي منذ ديوان « غليون لتدخين الأحلام» … هادي دانيال لـ«الوطن»: شعريّة النص هي ما يلفتني وأحافظ على اللغة المجازيّة والصورة الشعريّة في نصي

| عامر فؤاد عامر

تنقل بين الشام، وبيروت، وتونس، وكان همه المحوري فلسطين، في العمل الصحفي حفر لنفسه الطريق، فكان خريج مدرسة الراحل «غسان كنفاني» في ذكرياته مع مجلة «الهدف»، لكن نبوغه الأساسي كان في الشعر، والتناغم مع قصيدة التفعيلة، والتجربة في النثر، ويستقر في تونس ليكون سفيراً لسورية بغير رتبةٍ رسميّة، فينقل لنا صورة الثقافة في المغرب العربي، ويبث لهم الصورة الحقيقيّة للشارع في سورية، بعد أن لعب الإعلام لعبته في التشويه. الشاعر السوري هادي دانيال المولود في العام 1956 في قرية كفريا في جبال اللاذقية؛ وفي مشهد للمثقف، وصاحب الهمّ الوطني، تبقى فلسطين هي الصورة الأمّ، التي يحتفظ بها دوماً، وفي حديث ذكرياته معنا؛ يقدّم لنا إجابته عن التجربة الشعريّة، والنقديّةّ، والكتب السياسيّة، التي طرحها في السنوات الأخيرة، ويتحدّث عن الجو الثقافي في تونس، التي يحيا فيها، وغير ذلك من المحاور التي تحدّثنا فيها ضمن هذا الحوار لـ«الوطن».

نشرتَ في بداياتك مجموعة من القصائد في صحف ومجلات سورية ولبنانيّة لكنها كانت بغير اسمك الحالي. لماذا؟
قبل الكتابة في مجلة الهدف التي كانت تصدر من لبنان، كنت أكتب باسم «عبد الهادي الوزة»، وحينها كنت قد تعرّفت على الروائي حيدر حيدر الذي أصبح صديقاً حميماً فيما بعد، وشاورته بأن أنحت اسماً جديداً من الاسم الأساسي ((عبد الهادي دانيال الوزة)) وقد شجّعني وقتها على ذلك، ونشرت أول مقال لي في مجلة الهدف، باسم هادي دانيال، وبقيت على الاسم ذاته إلى اليوم.

كيف تصف تطور النص لديك عبر رحلتك الطويلة في التعامل مع قصيدة التفعيلة والنثر؟
أولاً لست انقلابياً في شعري، بمعنى أنني لا أنسف الماضي أو أبدأ من البياض، فأنا أبني على التراكمات، وأقصد أنني عندما كتبت استفدت من تراكم المدوّنة الشعريّة العربيّة، بدءاً من الشعر الجاهلي، على الرغم من أنني لم أكتب العمودي بل بدأت بالتفعيلة أولاً ولاحقاً جاء النثر.
التفعيلة والنثر هما أشكال إيقاعيّة، وما لفتني منذ البداية هو شعريّة النص، وهي الأساس، وهي تتحقق باللغة المجازية– وهذا كلام تقريبي وليس نهائياً– أو ما يسميها النقاد القدماء بالانزياح، بمعنى اختبار إمكانيّات اللغة بعد خبرة كبيرة في القراءة والكتابة. ثم التقاط الصور الشعريّة أو الكتابة بالصورة الشعريّة، أو كما يقول الشاعر الكبير نزار قباني الرسم بالكلمات، وكنت أركز على أن أبني نصي بالإضافة للغة المجازيّة بالصورة الشعريّة، أي التعبير بالصورة وليس فقط بالعبارة المتشكلة بالمفردات المنتقاة، فالصورة الشعريّة حاضرة بقوّة في نصوصي الشعريّة حتى الأولى منها.

يرتبط اسمك بالقضية الفلسطينيّة وغسان كنفاني وغيره من أسماء ناضلت في سبيل القضية، كيف تستعرض لنا علاقتك مع هذا التاريخ اليوم؟
أنا ابن سورية، التي تهتم بالقضيّة الفلسطينيّة كقضيّة مركزيّة، وتربينا على ذلك في مدارسنا، وفي المنهج المدرسي، وفي وسائل الإعلام، وفي أناشيدنا… إلخ، فنشأنا في هذا المناخ، وفلسطين بالنسبة إلينا هي قضيّة سوريّة، وعندما انخرطت في الثورة الفلسطينيّة لم أشعر بأنني غريب عنها، وتراكم قراءاتي كان في هذه الاتجاهات. إضافة إلى أن ما نُشر لي كان في دوريّات ومجلات فلسطينيّة منذ البدايات. وأهم تجربة صحفية لي هي في مجلة الهدف على الرغم من عدم لقائي شخصيّاً بغسان كنفاني، فقد توفي وكنت في دمشق.

مسيرتك ثريّة بلقاء شخصيّات ذات طابع أدبي وثوري ومقاوم، ما الأسماء التي تستحضرها اليوم؟
أعتز بلقاء الأديب «زكريا تامر» اليتيم، واللقاء مع الروائي «حيدر حيدر» وقد أصبح بيني وبينه نوع من العيش المشترك في مرحلة ما، وكذلك الأديب «سليم بركات» الذي أصبح صديقاً حميماً، وكثير من الشخصيّات التقيتها، ومنهم الشاعر «مظفر النواب» الذي التقيته في دمشق وفي بيروت، وأسماء كثيرة مثل «سعدي يوسف»، و«محمود درويش» و«معين بسيسو» وغيرهم الكثير من الأسماء.

يذكر النقاد أنك تأثرت بالأديب ممدوح عدوان كثيراً، فهل لك أن تحدثنا متى خرجت من عباءته؟
خرجت من عباءة ممدوح عدوان بصعوبة، وهو من شجّعني على النشر والكتابة، وقد تأثرت بتجربته الشعريّة كثيراً، ومن الممكن ملاحظة تأثري بشعره فيما كتبته في العام 1973 لكن في نهاية هذا العام، ومن خلال قصيدة «قلبي خارطة سوداء» التي نُشرتْ في مجلة الموقف الأدبي– كان يرأس تحريرها زكريا تامر- كان المنعطف نحو مرحلةٍ جديدة، وبعدها جاء ديواني «في غليوني تدخل الأحلام» ليعلن ذلك، ويقول النقاد إنه منذ تلك الفترة لا توجد بصمات أي شاعر على نصّي الشعري، وبدأت حالة الاستقلاليّة والنزوع إلى التجريب، فهمّي ألا أكرر نفسي، فما بالك في تكرار تجارب الآخرين، على الرغم من أنني أتابع كلّ جديد حتى إنني أستفيد من مهارات الشعراء ولكن من دون أن تظهر جلية في نصي.

العلاقة مع تونس قبل وبعد الحرب، ماذا منحتك؟ وكيف تأقلمت مع الحياة الثقافيّة هناك؟
بعد أن تكونت سياسياً في الثورة الفلسطينية وبعد أن تشبّعت فكرياً بقراءة الآداب العالميّة، نما في داخلي وفي روحي مقاومة للظلم في كلّ مكان، فالتعامل مع قضايا الشأن العام للشعوب هو شأنٌ خاصّ، وهذا ينعكس في مدوّنتي الشعريّة. وقد شعرت في تونس أنا وكثير من زملائي أننا نتعامل كملائكة نزلنا عليهم من السماء، ولكن في الحقيقة كنت من داخلي أتعامل مع خروجي من بيروت كمهزوم. بقينا نحو عام كامل على البحر نعيش في فندق مع القيادة الفلسطينية والراحل ياسر عرفات. لكن كنت حريصاً على أن أنخرط في المشهد الثقافي التونسي منذ الأشهر الأولى، فشاركت في المهرجانات الشعريّة التي دعيت لها، وكتبت في صحفها مثل لسان الجديد ومجلات وزارة الثقافة التونسيّة، وأصدرت أول مجموعة لي في تونس 1985 بعد سنوات قليلة من وجودي فيها. وقرأت رموز الأدب والشعر التونسي المعاصر مثل الشاعر «محمود المسعدي» وآخرين، وأجريت معهم مقابلات صحفية مطولة نشرتها في مجلة «فلسطين الثورة»، وفيما بعد نشرتها في كتاب أسئلة الأدب التونسي ونشرت فيها المقالات التي كتبتها عن الكتب التونسيّة، وعن المهرجانات الثقافيّة والسينمائيّة والمسرحيّة والموسيقيّة والإصدارات الأدبية، وكتاب آخر حول قراءاتي في الأدب التونسي، وكتاب أسئلة الفكر التونسي، وكتاب المسرح العربي على قرطاج، وكتاب حول مهرجان قرطاج السينمائي. هذا الحوار مع الثقافة التونسيّة جعلني جزءاً من المشهد الثقافي التونسي على الرغم من أنني لم أكن على علاقة سياسيّة جيّدة مع مرحلة بورقيبة ولا بن علي ولا الحالية.

يولد النقد بعد وقتٍ طويلٍ من العمل إلى أي مدى أنت راضٍ عن تجربتك في النقد؟
كتابة النقد جاءت بسبب الفراغ النقدي الموجود في الساحة العربيّة. ولا يوجد شاعر يستطيع أن يعيش من نتاجه الشعري، فمعظم الشعراء يعيشون من مصادر قريبة من الكتابة في الصحافة والمؤسسات الإعلاميّة، وعملي في الصحافة هو الذي دفعني بالقوة لكتابة النقد الأدبي، وفيما بعد يكتسب المرء مهارات من خلال القراءة لمناهج النقد الأدبي، وكذلك القراءات المستمرة، وتلقي الإبداع، والمشاهدات المستمرة لمهارة الفنون التشكيليّة، ومشاهدة الأفلام السينمائيّة، والعروض المسرحيّة، والموسيقيّة، والقراءة المكثّفة للشعر، والرواية، والقصّة القصيرة، وحتى يصبح المرء ناقداً ليس مهمّاً له أن يقرأ المناهج بل الأهم هو النمو وتربية الذائقة النقديّة، فإذا توافرت هذه تصبح مسألة المناهج مسألة تعليميّة.

أنت واجهة ثقافية لنا في تونس والمغرب العربي، كيف تتفاعل مع هذه المسؤوليّة؟
ما يشغلني اليوم أن أتوجه إلى القارئ التونسي سياسيّاً، وخاصّةً بعد ما سمي «الربيع العربي»، فتونس كانت أول حاضنة للإرهاب، وأرسلت الكثير من الإرهابيين إلى سورية، وفي شهر أيار 2016 صدر كتابي السياسي الأول بعنوان «ثورات الفوضى الخلاقة سلال فارغة»، وقد صُدمت به الأوساط السياسيّة في تونس، ولاسيّما المعادية منها، وقدّموني للمحاكمة ودفعوا لتمثيل القضية، وتقديمها عن طريق ممثل مجلس استنبول في تونس عبد اللـه التركماني، وفي ذلك الكتاب خصصت فصلاً عن عزمي بشارة، و3 فصول عن قناة الجزيرة، وفصلاً عن عبد اللـه التركماني، وآخر عن الغنوشي، باعتبارهم أدوات هذا المشروع التكفيري الإرهابي.
في العام 2011 جمعت مجموعة مقالات تتعلق بالشأن العراقي والفلسطيني واغتيال الحريري والتدخلات السياسية الأميركية وتصدير الديمقراطية، جمعتها في كتاب اسميته «حروب المصالح الأميركيّة: محرقة البشرية».
في العام 2012 صدر كتاب «الربيع العربي خريف إسلامي بغيوم صهيونية» ونفد خلال 3 أشهر من الأسواق. كتاب آخر في العام 2013 بعنوان «الربيع العربي وعي قطيعي».

ماذا عن كتابك «سورية التي غيرت وجه العالم» وما مضمونه؟
فكرة الكتاب تتحدث عن صمود الدولة السوريّة، وخاصة الجيش السوري والشعب السوري، والذي فتح الرأي العام العربي والدّولي، وجذب الكثير من الحلفاء الإقليميين والدّوليين ليقودوا معركتهم ودولتهم إذ لم يعد في المشهد الدولي قطب واحد بل عدة أقطاب إقليميّة ودوليّة.

كلمة أخيرة؟
أحبّ أن أقول أن الإبداع هو حافز وركيزة مهمّة من ركائز الصمود أمام الهجمة الظلاميّة، والاحتفاء بالحياة مهم جداً في مواجهة محاولة تهرئة أرواحنا، ويجب الاهتمام بالمبدع السوري، وعدم الوقوع في تحويل الإبداع إلى وسيلة تعبئة إعلاميّة، وبالكشف عن الجانب الجمالي لدى السوريين يمكن دعم المقاومة السوريّة.

هادي دانيال في سطور
شاعر وناقد وكاتب سوري من مواليد 1956
انضم لصفوف منظمة التحرير الفلسطينية في عمر مبكر
نشر قصائده الأولى في مجلات وصحف سورية ولبنانية وفلسطينية في السبعينيات
عمل سكرتير تحرير ورئيس القسم الثقافي في مجلة الهدف بين 1974 – 1979
عمل مديراً للبرامج الثقافية في إذاعة فلسطين الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية 1979
وهو مستقر في تونس منذ العام 1982.
في رصيده أكثر من 22 مؤلفاً بين تجربة الشعر والنقد والسياسة نذكر منها: «فلسطين مبدعة» و«أسئلة في الأدب التونسي»، و«غليون لتدخين الأحلام»، و«قراءتي في الأدب العالمي»، وصدر له مؤخراً: كتاب «صخرة الصمود السوري والرؤوس الحامية»، والمجموعة الشعريّة «أكون بها ولها»، وكتاب النقد «النورس الذهبي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن