ثقافة وفن

أيمن زيدان.. شكراً لاختطافنا

| إسماعيل مروة

في ظل ما يحدث في سورية بقي أيمن زيدان مبدعاً وإنساناً وسورياً، هو وكوكبة من الفنانين السوريين الكبار، وأثبت معهم أنه مختلف في قماشته ورؤيته ومعالجته، وفي الوقت الذي انكفأ كل شيء تمترس أيمن زيدان بدائرة الطباشير، وجعل الطبشور أقوى من الزيتي والإسفلت، لأنه وطن يستحق أن تكون دائرته كبيرة وعظيمة وراسخة.. لم تكن دائرة الطباشير مغامرة، بل كانت مشروعاً لمسرحه الوطن، وإعادة الروح إلى هذا الكائن الرائع (المسرح) الذي جاء في الحرب ليكون مهماً وعظيماً عظم الأرض والوطن.. ويعلن أيمن زيدان وقوفه مجدداً وراء شباب مبدعين، وكما كان حسام الشاه في دائرة الطباشير شكلاً مختلفاً، كذلك كان الشباب بين يدي إبداع أيمن وأستذته فنانين كباراً في عرضه الذي بدأ في دمشق، وفي أعرق مسارحها (الحمراء) والذي حمل عنوان (اختطاف) وحين حضرت هذا العمل في يومه الرابع وجدتني طائعاً أوجه الشكر للمبدع الكبير أيمن زيدان لاختطافنا في اختطافه، فهو أولاً أعاد طقوس المسرح إلى دمشق، فكان الجمهور كثيفاً، ولا وجود لأي مقعد فارغ، وامتلأت الأدراج بمحبي المسرح وأيمن معاً، فأثبت بما لا يقبل الشك أن المسرح له جمهوره، وأن المسرح إن توجه إلى قضايا عامة وشعبية يمكن أن يأخذ جمهوره العريض، سواء من الخاصة والفنانين أم من عموم المشاهدين.. وهو ثانياً أعطى نفوسنا فرصة للخروج من الدمار والقتال والأخبار ليضعنا أمام مشهدية بصرية بسيطة، لكنها قدمت بعناية مطلقة، وانعتق أيمن من البيئة التي نحياها ليغوص فيها أكثر من خلال حكاية بسيطة وعميقة في الوقت ذاته.. وهو ثالثاً أظهر المقدرات المسرحية العالية لدى الشباب الذين أغواهم المسرح بعطره، وأيمن بأستذته للخروج من أمام الكاميرا الآلية في الأعمال التلفزيونية.
وهو رابعاً جمع المثقفين والإعلاميين والفنانين في منتدى هم أحوج ما يكونون له من دون تنظير أو فلسفة أو أدلجة، وخاصة أنه لم يمارس البكائية، ولم يعرض مشاهد الألم بقدر ما عمل على استقدام صورة مماثلة وشبيهة ليصوغ من خلالها حكاية، يقدم من خلالها ونهايتها جوهر المشكلة والأزمة، وبأن العالم يخضع للمال والاقتصاد والشركات العملاقة، وهو بذلك ابتعد عن النغمات السائدة لدى مثقفينا، ومن يدّعي المعرفة، تلك التي تعمل على تعزيز الانقسام والفرقة والتشرذم. أيمن زيدان خرج من معضلة الخصوصية السورية والعربية، ليدخل في إطار الصراع الحقيقي القائم على الاقتصاد والمصالح، ولا يقوم على العقائد الدينية والطوائف والمذاهب.
بسيطة هي الحكاية، عميقة هي النتيجة، قد يختلف كثيرون مع أيمن زيدان في رؤيته، لكنهم لا يستطيعون إنكارها ودورها، اختطفنا أيمن زيدان من أتون حديث ماضوي قميء ليدخلنا في حكاية بسيطة تعتني بالإنسان، وتظهر أن أي شيء في الكون يخضع للمال والاقتصاد ورجال المال، بما في ذلك المؤسسة الدينية التي لم يستثنها أيمن، لكن قدمها بمشهدية لطيفة لا تغمز فجاءت مقبولة، بل لقيت صدى طيباً لدى المشاهد.
مرة أخرى شكراً لأيمن زيدان، دامت حيويتك وأستذتك، والرجاء أن تبقى جذوة الفن الملتهب البعيد عن التنظير تظهر من خلال ابتسامتك، وشعراتك البيض التي لم يلونها الألم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن