ثقافة وفن

معرض لأمكنة متخيلة في غاليري جورج كامل … أكسم طلاع لـ«الوطن»: «أقدم هويتي بلغة معاصرة في زمن ضاعت فيه الهويات»

| جُمان بركات- تصوير: طارق السعدوني

بحالة بحثية في عالم الحرف شكل لوحات فيها فضاءات معرفية وتعبيرية ونفسية واجتماعية، جاءت نتيجة مسيرة طويلة وجهد كبير وبحث طويل لتكوين لوحة حروفية لها خصوصية تميز بها الفنان أكسم طلاع الذي جمع لوحاته الجدارية وافتتح معرضه التاسع في غاليري جورج كامل. وفي تصريحه لـ«الوطن» قال أكسم طلاع:
هذا المعرض الفردي رقم 9 سبقه معرض بعنوان «أبيض داكن» أُقيم أثناء الحرب عام ٢٠١٦ في لبنان، والمعرض اليوم هو استمرار لتجربة امتدت لأكثر من ٢٥ عاماً في ميدان اللوحة التشكيلية والحرف كجزء منها، تيمة المعرض هي الرسم وراء الكتابة، بمعنى أنه كالطائر الذي نصفه صلة الوصل بين السماء والأرض، وبين صوت الكلمة ووجودها المادي أو مدلولها هناك سماء وهناك فضاء، أنا طائر قلق في هذا الرحب، يسميه البعض حروفية والبعض الآخر يسمونه استناداً إلى التراث والاتكاء عليه، في الحقيقة، لا يوجد خلاف عليه، المهم أنني أعمل باحثاً عن معانٍ خاصة، فأنا ابن لغتي وأقدم هويتي بلغة معاصرة، أستكشف وأعزز وجودي من خلالها في زمن ضاعت فيه الهويات.

جعل الفنان أكسم طلاع عنوان المعرض مخفياً بتلميح إلى ذاكرة مكان، وعن لوحات المعرض قال الفنان: 12 عملاً جدارياً في المعرض هي أمكنة متخيلة، ربما تصورتها مما أحفظ من لغة الوصف التي تركها لي من سبقوني، مثلاً أعرف الجولان حلماً لكن وصفهم للمكان جعل من دمي أنهاراً وأشجاراً وثلجاً، والحيرة أنك تنظر إلى المدينة من سماء عالية، مدينة عبارة عن بقع متجاورة، هذا الشكل الهندسي الذي يراه الجميع ليس مجرد قطع وإنما أراه بمعنى روحي يمكن وصفه بأنني أتلمس الألفة بينهم، وأنظر إليهم بروح واحدة ومتماسكة وأربط بينهم بطريقة خاصة، وهذا الربط هو موضوع بصري بحت، وفي الوقت ذاته هي متعتي بالجدارية وإعلان لتجربة جديدة.
نجد على سطوح الأعمال تهشيرات ومعناها «الأثر المتروك في العمل خلال زمن ما» غني بأحداثه ومؤثر لم يكن زمناً فقط وإنما تحول إلى تاريخ، فالفن ليس تعبيراً مباشراً وإنما هو الذي يظهر لاحقاً ويبقى دون أن يزول.
وأضاف: موضوع الحرف هو جزء من اللوحة للتعريف عن معناه البصري بالشكل وليس المدلول، في الحقيقة، أحياناً مجموعة حروف هي مجتمع وأحياناً أمم، وحيرة المتلقي تكمن في البحث عن مدلول الكتابة وفي الوقت نفسه عن صورة الشعر في الرسم، وأنا في لوحاتي مشروعي الأساسي هو الصورة وليس مشروع أدب، والفضاء فيها مفتوح أمامي للابتكار بحرية، أما اللون فهو قيمة تجعل من الحياة شيئاً ممكناً ذا نعمة فلا بد من توفر النعمة حتى تكون الحياة، وأحياناً لون واحد بدرجاته الترابية مثلاً يغني عن مجموع ألوان، وأنا أميل للألوان الحيادية فهي أكثر تعبيراً وأقل استعراضاً، والعمل الفني للوحة يتضمن حواراً بين أطرافها من جهة وحواراً انقطع بيني وبينها لغياب مقدرتي عل الفعل.

«سكر زيادة»
يملك الفنان أكسم طلاع نوعاً من أنواع الشجاعة –حسب رأي د. محمد غنوم- وقال: يصرّ على تقديم شيء مهم في مسيرة الخط العربي، يستخدمه كمفردة تشكيلية في عمله، ونحن تعودنا على كثير من اللوحات التي فيها إنجاز سريع «اللوحة الصغيرة»، وفي معرض أكسم يوجد نقلة نوعية للتجربة لأننا نرى تكوينات فيها غنى أكثر ومحاولة للبحث بجدية، وفي نفس الوقت أحب استخدام كلمة «سكر زيادة» ومعناها أن أي لوحة لا تتحمل عوامل فنية ومفردات وعناصر كثيرة، ولكن عند أكسم يوجد سكر زيادة وهو دليل على أنه في المستقبل القريب سيتخلص من هذه الزيادات غير الضرورية في العمل، وأنا بدوري أهنيه على هذه الشجاعة والعمل على مساحات كبيرة وفي نفس الوقت يقدم تجربة أكثر تطوراً وعمقاً، وأتمنى في المعرض القادم تقديم اكتشافات أكثر مما هو عليه اليوم لأن استخدام المفردة العربية كمفردة تشكيلية طريق مهم في مسيرة الحركة التشكيلية التي تعتمد على هوية معينة هي الهوية العربية، وعندما يكون الحرف العربي هو الأساس فلا خوف على الهوية من الضياع.

عمل موسيقي
وبدوره قال الفنان نبيل السمان: تكمن الصعوبة في اللوحة الحروفية أنها لوحة تجريدية وفي الوقت نفسه تمتلك خصوصية وهوية، ومن مجموعة الفنانين الحروفين الذين مروا بتاريخ المنطقة تسجل تجربة الفنان أكسم طلاع حضورها، فنلاحظ جهداً وبحثاً في كل لوحة حيث وصل إلى نتائج مهمة جداً ومستمرة بالزمن، أعتقد أنه موفّق في المعرض اليوم والبحث اللوني، ويوجد قيم غرافيك مهمة في العمل التي لها علاقة بالظلمة والنور «الإضاءات» أو «التضاد اللوني»، وفي الحقيقة المعرض مهم جداً بحجومه الكبيرة والصالة تحتملها، وفضاء اللوحة الكبير فيه متعة وكأننا نسمع موسيقا وموشحات للوحة مشرقية رغم أنها تجريد وفيها شيء من الصوفية بمعنى أن العمل غير منتهٍ.

ميزة إضافية
وصف الفنان أكسم طلاع الناقد عماد فياض بالشريك الحقيقي، وبدوره تحدث فياض عن المعرض: يركز هذا المعرض على اللوحة الكبيرة التي تحتل جداراً كبيراً، وكأنها سجادة في صدر الصالون، ولقراءة هذه اللوحة يجب رؤيتها عن بعد فنرى تفاصيلها، ربما يقول البعض إن هذه اللوحات الحروفية لوحات متعددة ولكن في الحقيقة هي لوحات متداخلة تتكامل وتتجاور لتشكل لوحة واحدة، وهذا هو تأثير أكسم طلاع في عالم الحروفية، فهو لا يميل في لوحاته إلى كتابة الحرف بشكل واضح وكلمات مقروءة وإنما يلعب على الكلمة التي يكتبها وعلى المتلقي وناقد اللوحة قراءة هذه التفاصيل، هناك فراغات تبقى في هذه اللوحة على المتلقي ملؤها والعمل عليها، والمميز في اللوحات هو تداخل الألوان المتعددة حيث اشتغل على اللون بجماليته التي تدهش البصر بمعنى أن اللوحات مضيئة وجميلة وهناك لوحات متصاعدة وتكاد تطير.
يميل الفنانون عادة لتقديم لوحات صغيرة وأكسم لم يهتم في إنشائها بسبب التسويق بل رسم لوحته الكبيرة وأمتعها دون الاهتمام لحاجة السوق، ورسم لوحته للمتلقي ومضى وهذا ما أعطى معرضه ميزة إضافية.

الآخر شريك
وبدوره قال الفنان عمار حسن: الحرف هو انعكاس لما يريد قوله الفنان أكسم طلاع كاشفاً من خلال لوحته همومه اليومية، وما نراه في لوحته من كثافة غريبة وجميلة تشد العين ليس إلى تشكيل الحرف فقط وإنما إلى تنوع حالات يريد أكسم قولها من خلال هذه الكثافة التشكيلية ومصفوفات الحرف وتدفق وسيلان اللون.
في الواقع، لأول مرة أرى أكسم يتخطى حدود اللوحة الحروفية وجمعها مع اللوحة التشكيلية وهذا دليل على وجود حالة بوح أو صراخ عبر كثافة هذه اللوحات ضمن اللوحة الواحدة، هو لا يقدم لوحة بقدر ما يقدم أحداثاً عدة في لوحة، وهذا جميل لجهة التعبير النفسي ومكاشفة المتلقي، وفي الوقت نفسه يحاول تقديم فضاء من دون إشغالات بصرية ما يعطي اللوحة بعض الهدوء، وما بين الهدوء والعاصفة التشكيلية أو التعبيرية تحدث اللوحة اهتزازاً يصعب علينا معرفة إلى أين سنذهب مع الفنان أكسم، وفي الحقيقة هو يتركنا أمام حالة مواجهة مع اللوحة، وحالة هجومية أيضاً لاستحواذ عين المتلقي ما بين فراغها الملون بألوان مختلفة -وهذه إضافة تحسب للفنان- والعاصفة من التعبير والتشكيل التي تتحرك داخل عوالم أكسم ويحاول التخلص من خلال هذه الانفجارات والضغوط عبر قذفها داخل اللوحة، والجميل أنه جعل الآخر شريكاً في هذه المعاناة التعبيرية وشريكاً بهذا الانفعال التشكيلي الذي قوامه الحرف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن