كسر الحصار على دير الزور يكسر المشروع الأميركي
| الوطن
احتفلت دمشق وحلفاؤها بفك الحصار عن مدينة دير الزور، وذلك في إشارة حاسمة إلى إسقاط المشروع الأميركي في سورية، وفتح الباب أمام التسوية وإعادة إعمار سورية بعد سنوات الأزمة العجاف.
وكانت روسيا قد أكدت بعد استعادة الجيش العربي السوري السيطرة على مدينة السخنة من براثن تنظيم داعش الإرهابي أن الهدف التالي سيكون مدينة دير الزور. وتبدو خطة الجيش وحلفائه للتقدم نحو دير الزور من ثلاثة محاور شبيهة بالخطط العسكرية الكبرى لاحتلال العاصمة الألمانية برلين التي وضعها الجيش الأحمر إبان الحرب العالمية الثانية من القرن العشرين.
وعلى الأرجح أن تخوض قوات الجيش وحلفاؤها في المدنية قتالاً عنيفاً من أجل تطهيرها، قبل أن تنتقل الحرب إلى ريف دير الزور الشرقي محط اهتمام المشروع الأميركي في المنطقة. وتريد واشنطن السيطرة عبر حلفائها من تحالف «قوات سورية الديمقراطية- قسد» الذي تقوده مليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، على الشريط الحدودي ما بين سورية والعراق من أجل منع التواصل البري ما بين سورية وحلفائها العراقيين والإيرانيين. وتروج واشنطن لخطواتها في هذا الصدد على أنها ضرورية لمنع إيران من إقامة ما تسميه «الممر البري» من طهران حتى بيروت، والذي من شأنه أن يبوئ إيران مكانة القوة الإقليمية المهيمنة في الشرق الأوسط.
وعلى الأرجح أن تفشل مساعي واشنطن في القفز على شمال وشرق دير الزور أيضاً، ما يضع المنطقة أمام معادلة جديدة عنوانها رجحان قوة المحور الإيراني السوري الروسي بشكل كبير، ربما لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية. وستؤدي المعادلة الجديدة حول دير الزور إلى عزل الجيوب الأميركية في الشمالين السوري والعراقي عن خطوط إمدادها الأساسية في الأردن والخليج، لذلك من المرجح أن تطلق واشنطن سريعاً عملية دير الزور.
ومهد لإنجاز فك الحصار عن مدينة دير الزور، منع الأميركيين من شن هجوم على محافظة دير الزور انطلاقاً من معسكر التنف. كما باغت وصول الجيش مدعوماً بحلفائه الروس والإيرانيين والعراقيين واللبنانيين، إلى مدينة دير الزور، الأميركيين الذين انتقلوا بعد محاصرة معسكر التنف إلى التخطيط لمعركة دير الزور عبر عملية تنطلق من مدينة الشدادي في جنوب محافظة الحسكة. وجاء الإعلان قبل أسبوعين على لسان أحمد أبو خولة رئيس المجلس العسكري بدير الزور التابع لـ«قسد» المدعومة أميركياً. وتوقع خولة في حينه انطلاق معركة دير الزور «قريباً جداً جداً» «خلال أسابيع عدة» بالتزامن مع معركة مدينة الرقة.
وروجت مصادر إعلامية في حينه إلى أن الهدف الأميركي من الحملة في دير الزور، يتمثل في السيطرة على ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الشمالي، وصولاً إلى سرير نهر الفرات الشمالي، والشريط الحدودي من تل صفوك وصولاً إلى أطراف ريف البوكمال الشمالي من دون الوصول إلى المدينة نفسها.
وفي العاشر من آب الفائت، أعلن مسؤولون في التحالف الدولي عن التوصل إلى رسم خط بين شمال وجنوب نهر الفرات يقطع محافظة دير الزور إلى قسمين لمنع وقوع أي صدام بين قوات الجيش، و«قسد». وشرح المتحدث باسم التحالف الدولي أن الخط «قد رسم بالاتفاق بين قوات سورية الديمقراطية والنظام والروس والأميركيين».
وتوصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري عقب إطلاق روسيا عملياتها الجوية في سورية، إلى اتفاق قسم البلاد إلى مسرحي عمليات إستراتيجيين لقتال التشكيلات المحسوبة على التنظيمات التي تصنفها الأمم المتحدة على لائحتها للتنظيمات الإرهابية، الأول شرق نهر الفرات يكون من مسؤولية التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والذي تقوده الولايات المتحدة، والثاني غربي النهر، يكون من نصيب الجيش السوري وحلفائه. ويظهر الاتفاق من خلال التوقيع ما بين وزارتي الدفاع الروسية والأميركية «البنتاغون» على اتفاق عدم التصادم في شهر تشرين الأول من العام 2015.
وفي عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقع خلاف روسي أميركي على تحديد ما إذا كانت مدينة دير الزور التي تقع على النهر هي «خط التقسيم»، وللجيش العربي السوري حامية مقاتلة حاصرها الدواعش، من نصيب التحالف الدولي أم الجيش العربي السوري وحلفائه، وانحسم الخلاف بعد أن قطع الجيش وحلفاؤه الطريق على التحالف الدولي والمجموعات المدعومة منه في معسكر التنف، باتجاه مدينتي الميادين والبوكمال ومنهما إلى دير الزور، بالترافق مع سيطرة قوات الحشد الشعبي العراقية على منطقة الحدود السورية العراقية مقابل التنف. هكذا، بات المعسكر معزولاً، ولاحقاً قالت إيران كلمتها عندما استهدفت مواقع داعش، رداً على الاعتداءات الإرهابية التي ضربت طهران، في دير الزور بصواريخ متوسطة المدى (700 كيلومتر) أطلقتها من قواعدها الحربية. ولم يعد أمام الأميركيين إلا القبول بتفكيك المعسكر وإعادة قواتهم وحلفائهم من البريطانيين والنرويجيين إلى الأردن أو العراق، ونقل المليشيات المتحالفة معها إلى الأردن بعد أن رفض تحالف «قسد» استقبالهم في مدنية الشدادي بريف الحسكة الجنوبي. وجاء اتفاق الزعيمين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب إقراراً بالأمر الواقع المتشكل حول دير الزور، واعتراف أميركي بفشل إستراتيجيتها المتمحورة حول القفز على دير الزور انطلاقاً من التنف.
وبعد سيطرة الجيش وحلفائه على مدينة السخنة، أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن بوصلة الحرب في سورية مصوبة اليوم على دير الزور، واصفاً إياها بـ«إحدى النقاط الإستراتيجية على شواطئ الفرات»، معتبراً خلال حوار مع قناة «روسيا24»، وفي رد مبطن على الأميركيين، بأن كسر الحصار عن المدينة سيرمز إلى هزيمة داعش في سورية، وتروج واشنطن بأن إنهاء سيطرة داعش على مدينة الرقة نتيجة للعملية التي ينفذها تحالف «قسد» حالياً مدعوماً بالتحالف الدولي، سيؤذن بنهاية التنظيم في المنطقة.
ومن شأن كسر الجيش وحلفائه حصار داعش لدير الزور، أن يدق مسماراً في اتفاق شرق نهر الفرات وسيجعله تالياً على المحك، إذ سيكشف عما إذا كان الاتفاق بحد ذاته خطوة تكتيكية أم إستراتيجية، ومن نافل القول إن واشنطن خرقت الاتفاق في منبج، بريف حلب الشمالي، والطبقة، بريف الرقة الجنوبي الغربي، المدينتين الواقعتين إلى غرب نهر الفرات.