قضايا وآراء

التهدئة الروسية والتوتير الإسرائيلي الأميركي والتحركات الإيرانية

| أنس وهيب الكردي

أعلنتها واشنطن رغبة قوية وواضحة بالعودة إلى شؤون التسوية السورية من بوابة جنيف، وبالترافق صعدت ضغوطها على الاستراتيجية الروسية في سورية وكذلك على السلطات السورية.
لقد بلور الأميركيون إستراتيجية جديدة لسورية تتمحور حول السيطرة على شرق البلاد بغرض فرض الرؤية الأميركية للتسوية السياسية للأزمة السورية، وتقليص النفوذ الإيراني في الهلال الخصيب، وضمن الإستراتيجية الجديدة زادت معدلات الدعم الأميركي لإسرائيل، التي أخذت، ولأول مرة، تهدد بضرب إيران عوضاً عن متابعة إستراتيجيتها القديمة القائمة على ضرب حلفاء طهران بالشرق الأوسط.
إن ارتفاع مستوى التهديدات الإسرائيلية في المنطقة جاء في سياق واحد مع زيادة حدة التهديدات الصادرة عن المسؤولين الأميركيين تجاه سورية وحزب الله اللبناني، وعشية تدريبات أميركية إسرائيلية مشتركة تحت اسم «جونيبر كوبرا»، من أجل «مواجهة خطر واقعي بنشوب حرب «تستهدف إسرائيل» على عدة جبهات موازية»، ومؤخراً، حاولت الدعاية العبرية تبرير التهديدات الإسرائيلية بوجود جهود إيرانية مزعومة لبناء قواعد عسكرية في سورية، ومصانع إنتاج صواريخ في لبنان.
في خضم هذه التهديدات والاستعدادات الحربية، حط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي بالعاصمة الروسية موسكو، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، وعقب عودته وصل سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف إلى إسرائيل لمناقشة تفاصيل القضايا التي طُرحت في محادثات موسكو، ويبدو الروس وكأنهم يرتبون لتهدئة التوترات التي تثيرها تل أبيب وواشنطن حول التحركات الإيرانية في سورية ولبنان، وهم بكل تأكيد أكثر الأطراف حاجة إلى مثل هذه التهدئة.
فمع توضع قوات أميركية وفرنسية في منطقة التنف وشرق نهر الفرات، وإسدال واشنطن مظلتها الأمنية فوق جنوب سورية، وانتشار قوات روسية في غرب البلاد ووسطها وصولاً إلى دمشق وشمال درعا، وأخرى تركية في شريط يمتد من جرابلس وحتى شمال محافظة إدلب مروراً بعفرين، فضلاً عن وجود مستشارين إيرانيين ومقاتلين من حزب الله اللبناني ومجموعات عراقية يقاتلون إلى جانب الجيش السوري، وينتشرون في محيط مدينة البوكمال بريف دير الزور، وأرياف حمص ودمشق ودرعا، وجنوب حلب وإدلب، باتت سورية عقدة كبرى إقليمياً دولياً، فأي تصعيد فيها لم يعد بالإمكان اعتباره محلياً بل هو تصعيد إقليمي دولي، يخضع لقواعد اشتباك إقليمية ودولية، وقد يشعل حرباً أوسع نطاقاً من الجغرافية السورية.
واستشعاراً منها لتعاظم الضغوط الأميركية عليها وعلى دورها في المنطقة، اجترحت إيران إستراتيجية دفاعية من أجل مواجهة واشنطن وحلفائها الإقليميين، تقوم هذه الإستراتيجية على إرساء ضغوط ميدانية على الأميركيين في المنطقة، وأمام الإيرانيين عدد من الساحات للقيام بذلك مثل التنف، شرق نهر الفرات أو جنوب سورية، وأيضاً جنوب لبنان، منتظرين في المقابل، اتضاح مآلات المشهد العراقي بعد زوال غبار الانتخابات البرلمانية في شهر أيار المقبل.
نتيجة أسباب عديدة، أبرزها عدم وجود رغبة روسية في التصعيد مع واشنطن في شرق سورية، لا تجد إيران نفسها بصدد مواجهة الولايات المتحدة هناك، لذلك، تعتبر أن الأنسب لها مساعدة الجيش السوري على دحر المسلحين في الجنوب، وبالتالي، الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وتحضيرها لحركة في جنوب سورية، تهميشها عن المفاوضات الروسية التركية على عمليتي عفرين وإدلب، ومؤتمر سوتشي، والاضطرابات التي شهدتها إيران، كل هذه العوامل تفسر لماذا فضلت طهران التراجع، مؤقتاً، إلى خلفية المشهد السوري، ريثما تعيد ترتيب أوراقها استعداداً لمرحلة جديدة من المواجهة تستهدف بشكل أساسي واشنطن، واستعادة إيران لزمام المبادرة على المستوى الإقليمي.
لا تكتفي واشنطن بمواجهة إيران، بل هي تفعّل ضغوطها على موسكو والسلطات السورية بذريعة استخدام السلاح الكيميائي في مسعى منها لمنع أي تحرك عسكري باتجاه مناطق نفوذها في شرق أو جنوب سورية، في مشهد يذكر بممهدات الضربة الأميركية على مطار الشعيرات بريف حمص قبل نحو عام، ولقد استدعت ضربة الشعيرات في حينه، تسريع طرح روسيا لنظام مناطق خفض التصعيد عبر عملية أستانا، ودخلت في مفاوضات مع واشنطن، انتهت بعقد القمة الروسية الأميركية في مدينة هامبورغ الألمانية، والتي توصلت إلى تفاهمات حول إقامة منطقة خفض التصعيد في جنوب سورية وتقاسم عمل بخصوص إنهاء تنظيم داعش في محافظة دير الزور. كذلك جنحت موسكو وراء الخيار الدبلوماسي عقب تصاعد حدة التوترات مع واشنطن شرقي نهر الفرات بعد دحر تنظيم داعش من محافظة دير الزور، وتوصل الطرفان إلى اتفاق دبلوماسي عسكري وقعه الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب في مدينة دا نانغ الفيتنامية. والآن، أمام تصاعد حدة التوترات الإقليمية من جديد، تريد روسيا تكرار مناورتها بغية إحلال تهدئة جديدة، لكن الثمن يبدو ثقيلاً على البعض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن