ثقافة وفن

رأسمال الثقافة وثقافة الرأسمال

| د. رحيم هادي الشمخي

بائع الزهور لا يشم عطرها… (…..)
المؤسسات الثقافية عندنا تزداد وتكثر، وهي تأخذ المزيد من المساحة الفاعلة فوق جغرافية حياتنا اليومية، وكلمة مؤسسات هنا تعني كل ما ينهمر من دعوات من هيئات ومجالس ومنتديات ثقافية رسمية أو شبه رسمية، واللافت للنظر في هذه الدعوات التي يصعب على أي محرر صحفي أن يلاحقها ويلبيها كلها، أن القيمين عليها أو الداعين لها غالباً ما لا يكونون من أصحاب الشأن الثقافي أو الضالعين فيه على طريقة (الفن للفن) أو (الثقافة للثقافة) على صعوبة تطبيق هذه النظرية في هذا الزمن المرهون مادياً حتى آخر جيوبه.
وغالباً ما يكون المسؤولون عن هذه المؤسسات من أصحاب التجارة مثلاً أو المال، وهذا ما لا يعيب طبعاً، بل على العكس، لأنه يدل على أن التزواج بين الهموم المادية والهموم الفكرية لايزال ممكناً لو من باب الضيق، وبأنه لا يمكن للمتعاطي بالشأن الثقافي إلا أن يكون في قلب الحركة الاجتماعية وفي جوهرها لا على هامشها كما يتصور البعض، على أن النية على الفعل الثقافي لا تعني بالضرورة القدرة على ممارستها فعلياً وإبداعياً، فالممارسة الثقافية تفترض شروطاً لا تتوافر إلا عند من أوتي (موهبة الثقافة) إذا جاز التعبير، وهكذا فإنه من الأجدر لمسؤولي المؤسسات الثقافية أن يختاروا لقيادتها وتوجيهها مثقفين ممارسين.. هذا إذا كانت غايتهم ثقافية لا دعائية وداخلية لا خارجية.
لاشكّ في أن الانفصال بين الغايتين المادية والإبداعية ضرورة لحياة الفن والثقافة، ولكن جميل جداً وصحيح جداً أن نجد صاحب رأسمال عنده النية أو القدرة المادية في خدمة غايات ثقافية لا ينتظر منها حدوداً سوى خدمة الواقع الثقافي وتطويره، وجميل جداً أيضاً أن نلاحظ أخيراً أن الدورة الاقتصادية الحية استطاعت أن تصل إلى العمل الثقافي وتجذره وتتبناه، وأن التطوير الاقتصادي يبقى ناقصاً إذا لم يقترن بتطوير، والخوف من أن يكون مستقبلنا جامداً قياساً بكمية الجماد الحجري الذي يتكدس يجب أن يزول بتطوير قدراتنا الثقافية من خلال نظرة واعية تؤمن وعياً عند أصحاب الرساميل من أن دعم الثقافة والمثقفين وتطوير المؤسسات الثقافية هو واجب لا هواية وضرورة لا نشاط على هامش اليوميات المملوءة أرقاماً وحسابات.
وأخيراً، فإن اللهاث وراء الدعوات الثقافية ومن ناد ثقافي إلى آخر أو مؤسسة ثقافية إلى أخرى يغدو نزهة وله طعم الفرح إذا كان التعب مثمراً، وإذا كان القصد الذهاب نحو مستقبل ثقافي مشرق إشراقة المستقبل المادي و…. أكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن