قضايا وآراء

الجسم الانتقالي وتصورات متعارضة

| مازن بلال

رغم كل الجولات التي عقدها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا؛ فإن مفهوم ما يسمى المرحلة الانتقالية بقي بعيداً عن التحديد، ومنذ جنيف واحد اكتسب المصطلح محددات سياسية وفق المواقف التي اتخذتها الأطراف، فهذا الجسم على ما يبدو عائماً ولا طريقة لانبثاقه، وفي الوقت الذي يفترض فيه وفد الرياض أن هناك «هيئة انتقالية» ستنبثق عن أعضاء الوفد، فإن المسار السياسي يتجه نحو خيارات أخرى وباتجاه تحديد آليات أكثر دقة.
في أروقة الأمم المتحدة في جنيف لم تظهر حلول كافية لانبثاق السلطة في «المرحلة الانتقالية»، والمقترحات المتداولة لم تأخذ مكانها داخل المشهد السياسي لاعتبارين:
– الأول: إن وفد الرياض يفترض فراغاً سياسياً يستطيع أن يملأه عبر تشكيل هيئة بصلاحيات كافية، وهذا الافتراض يسير بشكل بعيد عن المسار السياسي الذي تراه كل من موسكو وواشنطن، حيث لا بد من ظهور أي هيئة أو جسم انتقالي بشكل دستوري أي عبر المؤسسات القائمة حالياً، فالشرعية في سورية لا تزال قائمة باعتراف أكثر الدول تشدداً.
المشكلة في تصورات وفد الرياض أنه لا يملك مشروعاً يتوافق مع الآلية السياسية الدولية، ويحاولون استنساخ ما حدث في العراق بعد احتلاله، في حين لا ترى الأطراف الدولية أي تقاطعات ممكنة بين النموذج العراقي والحدث السوري، وربما على العكس، فالاتجاه الأممي هو لخلق نموذج سوري يمكن إسقاطه على العراق.
– الثاني: نوعية المنظومة السياسية (أو الجسم الانتقالي) الذي تقترحه منصتا القاهرة وموسكو، حيث يبدو تعدد الهيئات في ما قدمه وفد القاهرة إرباكاً يصعب معه الدخول في العملية السياسية، والواضح أن تشتيت الصلاحيات على مجالس مختلفة هدفها تجاوز طريقة انبثاق الجسم الانتقالي من الواقع القائم حالياً عبر الدستور المعمول به في الوقت الراهن.
منصة موسكو وزعت المهام وإعادة ربطها عبر اقتراحها نواباً للرئيس، فهي تعرف إشكالية انبثاق السلطة خلال المرحلة الانتقالية، والتحفظات من وفد الرياض تحديداً في مسألة صلاحيات الرئاسة، ورغم مراعاة «منصة موسكو» لمسألة الشرعية السورية القائمة، لكن يبدو من الصعب إيجاد توافق عبر نواب تصل مهامهم إلى «مجلس رئاسي»، وكل الإشارات في جنيف تتجه نحو ورقة جديدة ربما يقدمها دي ميستورا حول نقاط جديدة في مسألة البحث.
يبدو الغريب أن الاهتمام بتشتيت مركز القرار السياسي عبر اقتراحات كثيرة؛ لم يلتفت إلى مسألة «السابقة السياسية» التي يتم اليوم ابتكارها، فهناك مرحلة سياسية تنبثق عن شرعية قائمة لكنها تريد العمل بشكل مستقل ومن دون نظر إلى طبيعة المؤسسات القائمة حالياً، فأيا كان الجسم الانتقالي حسب تعبيرات جنيف1 لكنه لن يمارس صلاحياته من دون باقي مؤسسات الدولة، ولن يقوم على مساحة جغرافية خالية، وبالتالي فعندما يتم الحديث عن «منظومة» بشأن المرحلة القادمة فإنها ستمارس الإشراف ومهام «الحوكمة» وليس الحكم، في حين تظهر الطروحات الحالية «انقلاباً» على مستوى المؤسسات يعاكس المهام السياسية المفترضة، فالمنظومة هي «علاقات جديدة» من أجل «الحكومة» ومعايير للثقة السياسية بين الأطراف، فمروحة الصلاحيات لن تكون ممكنة مهما تبدلت الهيئات، وربما في جولة جنيف القادمة سنكتشف أن تلك «المنظومة» هي سوية «حوكمة» وليست صلاحيات.
عضو وفد معارضة الداخل إلى مفاوضات جنيف

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن