اقتصاد

بمثابة «حرب اقتصادية»!

| علي محمود هاشم

تثير الشجاعة الأردنية بإرسال فريق اقتصادي لبحث العلاقات الاقتصادية وافتتاح معبر «درعا/ نصيب» الحدودي مع دمشق، عظيم التساؤل عن انفلات المملكة من عقال بريطانيا الموغلة في دعمها «جبهة النصرة» والميليشيات الأخرى العميلة لتاجها، على حين لا يزال العراق عاجزاً عن مجرد الهمس بافتتاح معبر «البوكمال/ القائم» الجاهز لوجستياً، والمحصن أمنيا إلى حدود مقبولة من أي خطر إرهابي، بقوة جيشي البلدين المنتشرين على الحدود؟!
كيف تستقيم التصريحات المعلنة للجار الجنوبي حيال افتتاح المعابر الحدودية متضمنة ربطها بالموانئ السورية لتسهيل تدفق التجارة الأردنية، وهو الذي واظب حتى ما قبل أيام فقط، على تلقيم واحدة من أعتى واجهات الاستخبارات الغربية «كشركة سيف بورت» لرمي التصريحات رشّاً ودراكاً حول دورها المقبل في إقامة مركز إمداد إقليمي في قاعدة حسين الجوية في المفرق الحدودية مع سورية، على غرار دبي، يربط تجارة شرق المتوسط عبر شبكة الموانئ الإسرائيلية وناقلات «شارتر»!
في تطورات المشهد راهناً، ذهب الأردن أمس للإعلان عن مباحثات مع روسيا على هامش منتدى بطرسبورغ لاعتماد المملكة كـ«نقطة انطلاق لإعادة إعمار المنطقة» باعتبارها «قاعدة مهمة للشركات العالمية تتمتع بالأمن والاستقرار..» وذلك بناء على مذكرة تفاهم وقعاها العام الماضي لإقامة علاقات اقتصادية مع دول «الاتحاد الأوراسي» الذي يضم في عضويته كلاً من بيلاروسيا وكازاخستان وروسيا وأرمينيا وقرغيزستان!
سؤال العراق ومعابره الآمنة المغلقة آنفا، لربما يجيب عن السؤال الأردني ومعابره المحتلة الآيلة للافتتاح، تاليا؟!
ثمة متدخل آخر في القضية، فالشكل المتوقع للحكومة العراقية المقبلة التي يستلمح تشكيلتها القريبة من بريطانيا يتركز ثقلها جنوبا، يرجح استمرار المماطلة في فتح الحدود المشتركة مع سورية كتردد ممنهج لملامح الخطة القديمة التي طرحتها بريطانية عبر اللسان الأردني منذ سنوات، وتتضمن قطع التواصل السوري العراقي وترحيل المعابر السورية العراقية إلى أخرى تبادلية عراقية أردنية يجسدها معبر طريبيل الذي تتمختر على امتداداته شرقاً وغرباً قطعان مستنسخة عن عصابات «بلاك ووتر».
الذريعة التقليدية التي تم امتطاؤها لتبرير هذه اللوثة الجغرافية، تتكئ إلى «الومضة» الملكية الهاشمية الشهيرة: ضبط تدفقات الأسلحة من طهران إلى رجال حزب اللـه في مواجهة الكيان الصهيوني جنوب لبنان، من خلال قطع التواصل البري المباشر بين العراق وسورية، هذه «الومضة الهاشمية» تستبطن بطريقة متذاكية كما عهدها، إفساح المجال أمام تدفق الهلال البريطاني الذي يربط مراكز النفوذ التاريخية لتاجها في جنوب العراق ومملكة الأردن، ليشمل مؤخراً دولا خليجية، ستسبغ الغطاء اللازم على امتداده نحو موانئ «إسرائيل» بعدما تستتب «صفقة القرن» ويصبح التخفف من «عبء فلسطين» أمراً قائماً!.
قبل أسابيع، ذهب الرئيس الأميركي إلى تفسير الأمر بأكثر مما يحتمل التأويل، تأكيده منع «الوصول المجاني لإيران» إلى موانئ المتوسط -السورية بطبيعة الحال- إنما يستبطن مآلات طرق التجارة والطاقة شرق المتوسط، هذا الوضوح شمل أيضا، وبالتعدي، قطع العراق عن الموانئ السورية أيضا، وبالعكس!
في الجغرافية التجارية، لا يدري أي من ذوي العقل لماذا قد تحتاج الشركات الروسية ودول الاتحاد الأورلسي للأراضي الأردنية كيما تشارك في إعادة إعمار سورية والعراق، على حين إن لديهم – روسيا وأصدقاء سورية الأوراسيين- ميزة الوصول إلى هذين البلدين عبر الموانئ السورية للسلع الواصلة من موانئ البحر الأسود، وعبر ميناء البصرة للسلع الواصلة من المحيط الهندي، ومعهما السلع التي يمكنها الوصول برا عبر تركيا شمالا أم عبر طاجكستان فإيران فالعراق وسورية شرقا، وهذا الطريق الأخير قائم بالفعل بالتفاهم مع الصين، وقد قطعته عربات «قطار طريق الحرير» ووصلت إلى طهران قبل نحو 6 أشهر من الآن، بانتظار اتضاح المآلات العراقية لمعرفة محطته التالية غرباً!
الطرح الأردني اللاعقلاني، مع الروس مؤخرا، وتجاهله الأهمية الحيوية للبرّين السوري والعراقي للتجارة العالمية في المنطقة، سيبقى أسير التخرصات الجغرافية ما لم يحافظ الغرب بالفعل على الانقطاع الجغرافي بين العراق وسورية، الإجابة النهائية عن ذلك، قد نجدها لدى الحكومة العراقية المقبلة وإمكانية قبولها الإضرار بالشعب العراقي بعد تحويل دولتهم إلى حديقة خلفية للموانئ الإسرائيلية عبر الأردن، كما قد نجدها بدرجة أقل في التعاطي الروسي مع الطرح الأردني الأخير.
في كل الأحوال، يرتقي الإيغال الأردني، عبر البوابة التجارية هذه المرة، إلى مصاف الحرب الاقتصادية على سورية، والحال كذلك، فلربما يجدر النظر إلى إعادة افتتاح معبر نصيب، على أنه استكمال لتحييد حيوية الجغرافية السورية، وتقليص جدوى الجغرافية العراقية عبر ربطها بمحاور أخرى، وفي أحسن الأحوال، فسيعني افتتاح المعبر تحويل الأراضي السورية الجنوبية إلى أراض مشاع تسير عليها القوافل القادمة من الموانئ اللبنانية بدعم من اتفاقيات التجارة العربية الحرة.. وفق هذه الرؤية الأخيرة، قد يكون الجوار السوري تقاسم كل حسب وزنه المكاسب التي سيحددها الميزان البريطاني مستقبلاً!
على الجانب السوري، لا يخلو مسرح العرائس البريطاني ذو الدمى الأردنية من مكسب يتيم مشروط بشراء التعاون الهاشمي لتطهير جنوب سورية وقطع دعمه عن «داعش» و«النصرة» و«ألوية الفرقان الإسرائيلية» وما إلى ذلك من حثالات «الثورة السورية» ممن يتحصنون عند المنطقة الأممية العازلة مع جيش الكيان الصهيوني خلف خط «برافو 1974»، بدءاً من جباتا الخشب وطرنجة شمال القنيطرة، حتى بلدة معربة السورية المطلة على طبريا عند أقصى المثلث السوري الفلسطيني الأردني، وصولا إلى الشريط الحدودي الذي سهلت المخابرات الأردنية سيطرة «النصرة» عليه ونهب المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة.
إن حصل الأمر، فستكون الحرب البريطانية المديدة المتظللة بالشماغ الهاشمي نجحت بإعادة عقارب الساعة إلى ستينيات القرن الماضي إبان قطع التواصل البري السوري العراقي، وستحقق الحرب الجديدة أهدافها، ولو من زاوية أخرى عبر منع «البوكمال» من افتتاح أبوابها!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن