قضايا وآراء

التعددية القطبية وحتمية انتهاء أحادية القطب الأميركي

| تحسين حلبي

اعتمدت السياسة الأميركية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وتتويج الولايات المتحدة لنفسها كدولة كبرى تشكل القطب الأحادي في العالم، على سياسة تقديم الدعم العسكري والسياسي بكل أشكاله لكل دولة حليفة أو مستسلمة لهيمنتها، وفرض العقوبات والحصار بالمقابل على كل دولة ترفض الاستسلام لسياستها وهيمنتها، وهذا ما دأبت على استخدامه في الشرق الأوسط حين كانت تدافع عن السياسة الإسرائيلية وتقدم الدعم غير المحدود لجيشها في كل حروبه وآخرها حربه لإبادة الشعب الفلسطيني، لكن هذه السياسة لم ترهب أو تمنع عدداً من دول وقوى المنطقة من تشكيل كتلة موحدة الأهداف للدفاع عن سيادتها واستقلالها وحماية مصالح شعوبها ولاستعادة الأراضي المحتلة من الكيان الإسرائيلي ومجابهته بكل الإمكانات على الساحتين الإقليمية والدولية، وفي هذا الميدان اختبرت دول وقوى محور المقاومة نفسها وحافظت على وحدة مواقفها، وقد ولّد هذا المحور الإقليمي تفاهماً استراتيجياً مع دول كبرى مثل روسيا والصين ودول أخرى إقليمية فأصبح طريق زعزعة نظام القطب الأحادي الأميركي ممهداً أكثر من أي وقت مضى بعد أن وصلت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا إلى آخر مراحلها ومن دون أن تحقق واشنطن أهدافها من الدعم غير المحدود للنظام الأوكراني ومنعه من البحث عن حلول سياسية تنهي الحرب، فقد أشارت الأنباء والتحليلات الغربية إلى وجود رغبة متزايدة عند بعض الدول الأوروبية بالضغط على واشنطن لدراسة حلول دبلوماسية تحول دون استمرار الحرب، وفي منطقة الشرق الأوسط بدأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين بالتفكير في إيجاد حل يوقف النار في قطاع غزة وبممارسة ضغوط متزايدة على بنيامين نتنياهو وحكومته للقبول بإيقاف النار، وبدا أن نتنياهو يريد أولاً إيقاف النار من جبهة الجنوب اللبناني قبل جبهة قطاع غزة ثم ينتقل هذا الإجراء إلى قطاع غزة، وتبين من تبادل الأفكار والحلول أن هناك دوراً لروسيا في موضوع الحلول في موضوع وقف النار، لأن الطرف اللبناني يريد مثل هذا الدور، وهذا يعني عندما يتأكد النجاح لهذا المشروع على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية في قطاع غزة أن واشنطن لم تكن القطب الأوحد في هذا الحل، ولذلك يوضح الكاتب السياسي الأميركي تيد سنايدير في مجلة «أنتي وور» الأميركية في 11 تشرين الثاني الجاري أن النجاح في فرض المشاركة الروسية في هذا الموضوع وربما عبر مجلس الأمن الدولي واتفاق واشنطن وموسكو فيه سيعد نوعاً من تراجع في نظام القطب الواحد، ويضيف سنايدير: إن روسيا بدأت تتحرك على ساحة تفتيت هذه القطبية الواحدة من خلال دورها في تحقيق تقارب متين ومتواصل بين الهند والصين ومن دون أي تدخل أميركي.

أما أوروبا فالكل يرى أن دول الاتحاد الأوروبي أعلنت بعد عقد مؤتمرها الأخير على لسان رئيس فرنسا مانويل ماكرون أن دول الاتحاد لن تكون بحاجة مباشرة إلى دور أميركي في حمايتها، بل ستعمل الدول بفضل فرنسا وألمانيا على إعداد الاتحاد للقيام بدوره الفاعل في مختلف النزاعات وفي البحث عن حلول لها، وهذا يعني نوعاً من تجاهل واضح لدور القطب الأحادي الأميركي وخاصة تجاه ساحة المصالح الأوروبية، ويؤكد سنايدير أن مؤتمر دول بريكس الأخير بقيادة روسيا والصين والهند والبرازيل سيشكل أول سيف دبلوماسي وسياسي مسلط على جدار القطب الأميركي الأحادي، وربما تتسارع عملية إعداد خطط دول بريكس لتهميش الدور الأميركي وهيمنته على الساحة العالمية لأن دولاً متضررة من هذه القطبية الواحدة ستجد أن مصلحتها تكمن في المساعدة على تهميش القطب الأحادي الأميركي.

لا شك بأن دول منطقة الشرق الأوسط ستجد في هذه النتائج التي ستفرض نفسها على الساحة العالمية، فائدة لها وطريقاً يجعلها قادرة على إدارة مصالحها بتوازن في هذا الساحة وأمام القوى الصاعدة فيها، ويقول سنايدير: إن السير في هذا الطريق من دول مثل روسيا والصين والهند والبرازيل سيعيد صياغة التوازنات العالمية ويفتح الباب على مصراعيه لعالم متعدد الأقطاب في العالم رغماً عن الولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن