قضايا وآراء

ترامب سيزيد من نيران الحروب ولن يخمدها

| تحسين حلبي

حين نسمع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يعلن أنه «لا يريد حروباً بل سيعمل على إيقاف الحروب»، فنحن بالطبع سنستغرب من هذا التصريح ونشكك كثيراً بمدى التزامه به وخاصة عندما نراه يختار أكثر المتشددين الصقور المروجين للحروب لقيادة وزارة الدفاع ووزارة الخارجية اللتين نعدهما أهم وزارتين لتخطيط وتنفيذ سياسات الحرب أو السلام، ولذلك لا نستغرب من أن يكون المقصود من هذا التصريح هو أن ترامب سيعمل على إحباط حروب المناهضين لهيمنة الولايات المتحدة وسياساتها الاستعمارية الحديثة وسيفرض سياساته، فقد رأينا أن أعمال وزير الخارجية الأميركي توني بلينكين ووزير الدفاع لويد أوستين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين كانت متطابقة بشكل علني في حرب أوكرانيا على روسيا وفي الحرب الإسرائيلية- الأميركية المشتركة على الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية ومحور المقاومة، ولم يختلف دور الوزيرين في إعداد حروب أميركا ضد الصين، وتكشف السجلات الأميركية والإسرائيلية أن بيت هيغسيث الذي اختاره ترامب وزيراً للدفاع يعد من أشد المؤيدين لشن الحروب وخاصة التي تشنها إسرائيل لتوسيع حدودها وهيمنتها في المنطقة، فقد ذكر الصحفي الأميركي أليكس ماكدونالد في المجلة الإلكترونية «ميديل ايست آي» الأميركية في 14 تشرين الثاني الجاري أن هيغسيث قال في عام 2018 في أثناء مناسبة شارك فيها في إسرائيل: «ليس هناك أي سبب يمنع إمكانية أن يعاد تأسيس الهيكل اليهودي في القدس»، وأضاف: «لا أعرف كيف سيحدث ذلك وأنتم لا تعرفون أيضاً لكنني أعرف أنه يمكن أن يحدث والخطوة نحو هذه العملية هي الإقرار بأن ما سيجري من نشاطات وخلق حقائق على الأرض هناك هو المهم حقاً»، وكشف ماكدونالد في مقاله أن هيغسيث ذكر للإسرائيليين أنه يتعين عليهم «الاستفادة من وجود ترامب رئيساً مرة أخرى لكي يحققوا ما يرغبون في المنطقة لأنهم واثقون أن واشنطن ستدعمهم فيما يريدون».

يبدو أن ترامب عين هيغسيث في هذا المنصب لأن علاقة هيغسيث الأساسية بنيت مع ثاني أكبر شركات الصناعة وإدارة الأعمال والمشاريع في الولايات المتحدة وهي شركة «الأخوان كوك» الأميركية التي حققت بموجب ما ذكرته مجلة «فوربز» الأميركية الشهيرة 100 مليار دولار من الأرباح عام 2013، والأخوان كوك يعدان من ثاني أكبر أصحاب المليارات في الولايات المتحدة، وكان هيغسيث قد عمل مديراً عاماً لمنظمة دعائية إعلامية أسستها شركة كوك باسم «القلقون القدماء من أجل أميركا» لخدمة مصالح الشركة وزيادة أرباحها، ولا شك أن وجود هيغسيث وزيراً للدفاع سيحقق لها ولترامب أكثر الأرباح وخاصة من الحروب وما يستثمر فيها من أسلحة وذخائر.

أما مارك روبيو الذي عينه ترامب وزيراً للخارجية فقد حاز ثقة وتقدير ودعم التحالف اليهودي الأميركي في الحزب الجمهوري حين بعث قادة هذا التحالف رسالة يثنون فيها على ترامب لأنه اختار روبيو لهذا المنصب الحساس، ونشر الموقع الإلكتروني لـ«القناة 14» الإسرائيلية تصريحاً مباشراً في 12 تشرين الثاني الجاري قال روبيو فيه: «إنني أدعم قيام إسرائيل بإبادة كل العناصر المسلحة من حماس وغيرها»، وأجاب عن سؤال عما إذا كان مستاء من قتل المدنيين في الحرب في القطاع قائلاً: «إن المسلحين الفلسطينيين هم المسؤولون مئة بالمئة عن مقتل المدنيين وهم يستترون خلف المدنيين».

وبهذين الوزيرين يصبح رئيس وكالة المخابرات المركزية الجديد وبقية رؤساء الأجهزة السرية مجرد موظفين لخدمة هاتين الوزارتين في كل السياسات الخارجية الأميركية الامبريالية، كما يبدو أن أكثر المتضررين من سياسة ترامب المقبلة هم العرب وخاصة الفلسطينيين منهم، فالقدس بنظر هيغسيث يجب ألا يكون لمواقعها الإسلامية والمسيحية أي علاقة أو صلة بالفلسطينيين أو بالأردن التي تعد راعية ومشرفة ذات سيادة على هذا المواقع، ثم أليس ترامب هو الذي اعترف لإسرائيل بضمها؟ ومن ناحية أخرى لا أحد يستغرب من أن يقوم ترامب بإعادة إحياء مخططه لتصفية القضية الفلسطينية بواسطة اعتماد «صفقة القرن» التي أحبطها الفلسطينيون والعرب كلهم قبل سنوات كثيرة حين أراد فرضها في قطاع غزة ككيان وحيد للفلسطينيين.

في النهاية، أصبح من الواضح أن دورة ترامب الرئاسية الجديدة ستحمل معها أخطر وأشرس المواجهات مع سياساته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن