سورية ومحور المقاومة و«الكاوبوي» الأميركي
| محمد نادر العمري
تتسارع وتيرة الأحداث التي يتصدرها الشمال السوري دولياً وإقليمياً بحدود يمكن أن تتجاوز مستواها المحلي، ضمن المسارين السياسي والعسكري، فحمى اللقاءات الدبلوماسية والسياسية بأبعادها العسكرية كانت حاضرة في الفترة الأخيرة بين معسكر القطبين، وهذا برز بوضوح خلال الاجتماعين الأخيرين لوزراء الخارجية والدفاع لعواصم القرار في موسكو وأنقرة، ومشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأحد هذه الاجتماعات، تزامناً مع التهديدات الأميركية بشن عدوان جديد على سورية بعد الكباش السياسي الذي شهدته أروقة جنيف أثناء اجتماع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون مع سكرتير مجلس الأمن الروسي اللواء نيكولاي بارتوشيف، ووصول قطع حربية للمنطقة في محاولة لتسعير الوضع العسكري بأيدي واشنطن واتخاذ إجراءات الردع من قبل موسكو ومحور محاربة الإرهاب، وصولاً لزيارة وزير الدفاع الإيراني لدمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد.
الحاضر القوي في كل هذه اللقاءات والاجتماعات هي إدلب التي تحولت إلى ساحة جديدة للتجاذبات والكباش السياسي بين الأطراف، كتعبير عن الصراع الدائر بينها للحفاظ على نفوذها ومصالحها، لدرجة احتمال تحولها إلى اشتباك عسكري مباشر بين هذه القوى، في حال نفذت دول «الترويكا» الغربية: أميركا وفرنسا وبريطانيا، تهديدها بشن عدوان على سورية على غرار ما حصل في شباط 2018.
هذا الزخم الكبير في اللقاءات والاجتماعات والتهديدات المتبادلة والمتغيرات التي تتعلق بتهيئة الظروف لإعادة سيناريو خان شيخون والغوطة الشرقية من إدخال عناصر إرهابية تم تدريبهم على يد شركة «أوليف غروب» وقد يكون بعضهم من عناصر الخوذ البيضاء الذين تم تهريبهم من الجنوب السوري أخيراً، ونقل كمية لا يستهان بها من الكلور ومواد أخرى إلى أكثر من منطقة في إدلب وتسليمها لحركات إرهابية متطرفة، ينبئ بعودة واشنطن لسياسة «الكاوبوي» باستعراض القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها، بتوقيت سياسي استكملت به دمشق وحلفاؤها جهوزيتها العسكرية وبنسة تتجاوز 90 بالمئة لاستعادة مدينة إدلب والقضاء على جبهة النصرة الإرهابية والمجموعات المرتبطة بها، مع قرب انتهاء مدة خفض التصعيد الرابعة في إدلب مطلع شهر أيلول، واقتراب موسكو من ضبط إيقاع معركة إدلب بعد إقناع أنقرة بعدم جدوى دعم هذه المجموعات ورهان الأخيرة على استبدال دورها العسكري بورقة سياسية عبر اللجنة المزمع عقدها للنظر في صياغة الدستور أو تعديله.
الجنون الأميركي المستجد بدعم فرنسي وبريطاني حسب وزارة الدفاع الروسية، بشن عدوان على سورية، وصفه بولتون «بالضربة الماحقة» وذكره لأول مرة الأسلحة الجرثومية إلى جانب السلاح الكيميائي، يطرح أكثر من احتمال لهذا العدوان:
الأول هو القيام بعمل عسكري عدائي كامل لقلب الموازين العسكرية في الميدان لمصلحة المحور الغربي الذي تقوده واشنطن، وهذا الاحتمال هو مستبعد لعدة أسباب، أهمها اقتراب الحسم النهائي في الميدان السوري لمصلحة الجيش العربي السوري وعدم وجود عدد كافٍ من الجنود الأميركيين في الشمال السوري يسمح لهم باحتلال مناطق جديدة، إضافة إلى وجود القوات الروسية الجادة في موقفها بالتصدي لأي عدوان أميركي يقوض الإنجازات العسكرية والسياسية التي حققتها، فضلاً عن امتلاك الجيش العربي السوري القوة الردعية وعنصر المفاجئة في التصدي لأي عدوان من شأنه أن يكبد واشنطن وحلفاءها خسائر غير محتملة في حال اللجوء لهذا الخيار، وثبات محور المقاومة إلى جانب دمشق في معركة المصير ضد المشروع الغربي للمنطقة.
الاحتمال أو السيناريو الثاني: قيام دول الترويكا الغربية بعدوان استعراضي على بعض المناطق الحيوية للجيش العربي السوري كالمطارات أو قطع عسكرية أو المراكز البحوث العلمية، بهدف العودة إلى مسرح التسوية السياسية عبر البوابة العسكرية، في محاولة منها لفرض وجهة نظرها ومصالحها بالعودة لجنيف ونسف سوتشي.
السيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحاً في حال أقدمت هذه الدول على تنفيذ تهديداتها باستخدام القوة والعدوان، لعدة أسباب أهمها رغبة الإدارة الأميركية في تصدير أزماتها الداخلية وصراع الرئيس دونالد ترامب مع مؤسسات الدولة العميقة إلى الخارج لتخفيف الضغط الداخلي عليه وحشد الرأي العام الأميركي لدعمه، وخاصة بعد تأزم وضع ترامب وإدارته التي تمر بأصعب لحظاتها مع الكشف عن تورط محاميه مايكل كوهين في مخالفات قد تؤدي إلى عزل الرئيس والعودة للفرضية التي طرحتها مجلة فورين بوليسي منذ عام ونصف العام بتعيين نائبه مايك بنس عوضاً عنه، الأمر الذي قد يؤدي لانخفاض شعبية الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية القادمة وخسارته المحتملة إثر ذلك أمام الديمقراطيين.
سعي الإدارة الأميركية بشتى السبل والوسائل لعرقلة الجيش العربي السوري ومنعه من شن هجوم لاستعادة مدينة إدلب، التي تستولي عليها «هيئة تحرير الشام» قبل التمكن من نقلها إلى مكان آخر، ومحاولة دك إسفين الخلاف بين الدول الضامنة لمحادثات أستانا عبر إغراء أنقرة بهذا العمل العسكري لعدم ذهابها نحو تنازلات في اجتماع طهران المقبل، من شأنها أن تربك الدور الأميركي وتزيد من انكفائه، وتأرجح كفة مخرجات سوتشي على جنيف.
زيارة جون بولتون لتل أبيب في السعي لتنفيذ صفقة القرن وتوجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع بداية الشهر المقبل للإعلان عن خطوات تمهيدية لها كإلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتصعيد المواجهة مع محور المقاومة وخاصة إيران وزيادة الخناق عليها، والمقاربة الأميركية الجديدة في الشرط الذي طرح من تل أبيب، بربط خروج القوات الأميركية من سورية بالخروج الإيراني. بعد إخفاق العرض الذي قدمه محمد بن سلمان للرئيس الأسد، في ضمان إعادة البناء والإعمار مقابل التخلي عن محور المقاومة، فالعرض السعودي هو جزء من كل، وهو عرض ضمن خطة أميركية إسرائيلية مدروسة حين أدركت واشنطن أنها لم تربح الحرب في سورية، وأدركت إسرائيل أكثر أنها خسرت الحرب وخسرت أعوانها وأدواتها من الجماعات التكفيرية في سورية عموماً وجنوب سورية خصوصاً، مع استغلال هذا الرفض لابتزاز السعودية مجددا» بدفع الأموال مقابل أي عمل عسكري.
من الواضح أن ترامب وإدارة الكاوبوي الأميركية تريد جر العالم نحو الهاوية وفق ما عبر عنه في مؤتمر ميونخ مؤخراً، فالحروب الاقتصادية التي شنها على حلفائه قبل خصومه ستؤدي في مرحلة معينة إلى تراجع مكانة الدولار عالمياً، والتهديد اليوم بشن عدوان على سورية تحت أي ذريعة انطلاقا من الحاجة الأميركية لذلك، قد تكون بالمقابل حاجة سورية أيضاً في إرسال رسائل ردعية بتحصين النصر عسكرياً وانفراجها سياسياً، وتبلور تحالف محور «محاربة الإرهاب» وهو المصطلح الذي استخدمه الرئيس الأسد أثناء استقباله وزير الدفاع الإيراني كدلالة على اتساع محور المقاومة واتساع أهدافه وأطرافه.