تنافس للسيطرة على دير الزور … نواة صلبة للجيش السوري بالمدينة للحيلولة دون التقسيم
| عبد الله علي
حافظ الجيش السوري طيلة السنوات الماضية على نواة صلبة من قواته في قلب محافظة دير الزور مانعاً تنظيم «داعش» من الاستيلاء عليها بالكامل وتحسباً من بعض المخططات الخارجية الرامية إلى تقسيم سورية. وتشير المعطيات الحالية إلى أن دير الزور تقترب أكثر فأكثر من لحظة الصراع عليها بين عدد من القوى الإقليمية والدولية، وسط تعقيد شديد يشوب مصير المدينة في ظل التنافس الذي استعر حولها وأطلق موجة من التحشيد العسكري غير المسبوق في محيطها من مختلف الأطراف.
وتتجلى حالياً مدى الأهمية الرمزية والإستراتيجية لبقاء هذه النواة من قوات الجيش السوري في دير الزور رغم الظروف شديدة الصعوبة والتعقيد التي مرت بها. إذ لولا صمود هذه النواة لكان الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام المشروع الأميركي الرامي إلى ابتلاع المنطقة الشرقية بالكامل وفرض التقسيم كأمر واقع بين شق شرقي من البلاد وآخر غربي.
ويبدو أن المدينة المنسية التي طالما تجاهلتها وسائل الإعلام، وقد يكون بعض هذا التجاهل متعمداً ومخططاً له لعدم جذب الانتباه لما يحاك ضدها، ستعود بقوة إلى دائرة الضوء مع تزايد التصريحات المتعلقة بها والتي تؤكد أن المدينة ستكون بؤرة ساخنة يحتدم فيها التنافس الإقليمي والدولي.
وقد تعزز هذا الانطباع بعد تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الإثنين، حول التوجه إلى دير الزور وأن له الأولوية على التوجه إلى إدلب. وأكد المعلم بذلك تصريحات روسية تحدثت عن تفرغ الجيش السوري بعد اتفاق «خفض التوتر» لمعركتي تدمر وفك الحصار عن دير الزور. وترافقت هذه التصريحات مع تهديد مبطن موجه إلى الأردن تحديداً مفاده أن أي مغامرة يخطط الأردن للقيام بها بالاشتراك مع قوى أخرى داخل الأراضي السورية لن تكون نزهة عابرة.
وتوافرت لدى دمشق في الآونة الأخيرة معطيات عن وجود مخطط بقيادة أميركية وبريطانية وبمشاركة واسعة من الأردن ضد المنطقة الجنوبية من سورية. وتحدث الرئيس بشار الأسد صراحة عن هذا المخطط في المقابلة التي أجرتها معه وكالة سبوتنيك الشهر الماضي. وأشار الرئيس تحديداً إلى «الجزء الشمالي من الأردن» كمنطلق لتنفيذ هذه المخطط. وهذه الإشارة تعني أن المعلومات السورية تؤكد أن الهدف هو دير الزور وليس درعا أو القنيطرة كما ذهبت بعض التحليلات والتقارير سابقاً.
كما أن جملة من التصرفات المشبوهة التي قامت بها الولايات المتحدة في الأسابيع الماضية، زادت من حدة المخاوف حول دير الزور والمصير الذي ينتظرها وتأثيره المحتمل على مصير سورية ووحدتها. وأهم هذه التصرفات هي الحشود العسكرية على الحدود الأردنية والمشكلة من قوات أميركية وبريطانية وأردنية إلى جانب آلاف المسلحين الذين تلقوا تدريباتهم العسكرية في المعسكرات الأردنية وينتمون إلى فصائل مدعومة من غرفة عمليات الموك. وكذلك تكثيف طائرات التحالف الدولي لغاراتها الجوية على المناطق الشرقية من دير الزور، القريبة من مدينة البوكمال التي يفترض أن تكون الهدف الأولي لأي هجوم عسكري ينطلق من معبر التنف الواقع على مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية. كما نفذت القوات الأميركية مؤخراً عدداً من الإنزالات الجوية في محيط مدينتي البوكمال والميادين تهدف على الأغلب إلى جس نبض تنظيم «داعش» واستكشاف مدى قوة تحصيناته الدفاعية لأخذها بالاعتبار عند وضع الخطط النهائية للهجوم على المدينة.
وبذلك تكون البوكمال ثاني مدينة تقع جنوب نهر الفرات تسعى الولايات المتحدة عبر أحد حلفائها للسيطرة عليها، بعد مدينة الطبقة غرب الرقة التي تعمل قوات «سورية الديمقراطية» على استكمال السيطرة عليها.
ومن الواضح أن واشنطن أولت مهمة السيطرة على البوكمال وغيرها من مناطق دير الزور الواقعة جنوب نهر الفرات، إلى بعض الفصائل المسلحة المدعومة منها مثل «أسود الشرقية» و«جيش العشائر» و«قوات أحمد العبدو» وربما «جيش النخبة» التابع لتيار «الغد» بقيادة أحمد الجربا. وقد تمكنت هذه الفصائل في الشهرين الماضيين من السيطرة على مساحات شاسعة من الشريط الحدودي بين سورية والأردن، ومن تعزيز قوتها في محيط قاعدة التنف التي أقامتها بريطانيا وتشهد حالياً تحركات متسارعة لتأهيلها بما يناسب قيامها بدور غرفة العمليات لقيادة المعارك باتجاه دير الزور.
وكانت آخر نقطة تقدمت إليها هذه الفصائل هي قرية حميمة التي جعلتها عملياً تدخل الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، إلا أن تنظيم «داعش» تمكن خلال هجوم معاكس من استعادة السيطرة على القرية وإبعاد الفصائل عن حدود المحافظة.
أما أجزاء دير الزور الواقعة شمال نهر الفرات، فيبدو أن الخطة الأميركية لم تتبلور بشأنها بعد أو أنها تخطط لإيلاء مهمة السيطرة عليها إلى قوات «قسد» أيضاً. وفي هذا السياق لوحظ أن «قسد» تقدمت في بعض قرى ريف دير الزور الشمالي الغربي في إطار حملتها على «داعش» في الرقة. كما أن جيهان أحمد المسؤولة في الجناح السياسي لهذه القوات صرحت لصحيفة بريطانية قبل أيام أنه سيكون لهم دور في تحرير دير الزور من «داعش».
وكذلك تعتبر دير الزور ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لتنظيم «داعش»، وذلك لعدة أسباب: الأول لأنها ستكون آخر معاقله التي لا تشهد معارك حالية ضده، ما جعلها آمنة نسبياً بالنسبة له الأمر الذي دفعه إلى جعلها مركزاً لتجمع عدد كبير من قواته التي انسحبت من المدن التي خسرها سواء في سورية أو العراق، وكذلك مقراً لكبار قادته الذين هربوا من المعارك الجارية في الموصل والرقة، وسط أنباء عن احتمال وجود زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في أرياف المدينة وتحديداً أريافها الجنوبية التي توصف بعض قراها أنها تشكل حاضنة للتنظيم وفكره. والثاني حرصه على استمرار سيطرته على آبار النفط لتأمين احتياجات قواته وضمان استمرار تشغيل آلياته العسكرية، إلى جانب الموارد المالية التي تأتيه جراء تهريب النفط والمتاجرة به.
أما السبب الثالث والأهم، فهو أن دير الزور بموقعها على الحدود السورية العراقية، لها أهمية رمزية وعسكرية للتنظيم تتمثل في أن فقدان السيطرة عليها يعني إلغاء مفاعيل عملية «كسر الحدود» التي قام بها وكانت قاعدة إعلانه عن «دولة الخلافة» في حزيران 2014. كذلك الأمر فيما يتعلق عسكرياً بخطوط الإمداد بين الدولتين وما يتيحه هذا التواصل من هامش واسع للمناورة أمام التنظيم. لذلك من المتوقع أن يحرص «داعش» على تعزيز نفوذه في دير الزور وضمان الحفاظ على السيطرة فيها لأطول فترة ممكنة. وقد يدفعه ذلك إلى المبادرة وشن هجمات جديدة على مواقع سيطرة الجيش السوري.
ولا شك في أن المخطط الأميركي ومصلحة «داعش» يشكلان تحدياً جدياً للجيش السوري أثناء توجهه إلى دير الزور وخاصة أن المسافات التي تفصله عن المدينة هي مسافات طويلة نسبياً. إذ عليه الانطلاق من محيط تدمر أو شرق حماة ليبلغ بلدة السخنة ومن ثم كباجب وكلاهما موقعان إستراتيجيان لتنظيم «داعش».
وما سيزيد من شدة التحدي أن واشنطن لن تدخر جهداً في محاولة عرقلة تقدم الجيش السوري لمنعه من إجهاض مخططها. ومما يذكر هنا أن الطائرات الأميركية سبق أن استهدفت قوات الجيش السوري في جبل ثردة ممهدة بذلك الطريق أمام «داعش» لتوسيع سيطرته والتمكن من الفصل بين مناطق سيطرة الجيش. كما يمكن توقع رد الفعل الأميركي من خلال ما شهدته معركة الرقة من مسعى أميركي واضح لمنع قوات الجيش السوري من التقدم نحو مدينة الطبقة للمشاركة في تحرير المدينة.