أردوغان وإغواء الانتخابات المبكّرة!
مأمون الحسيني :
بعد مرور شهر على الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي خسر فيها حزب «العدالة والتنمية» الأغلبية النيابية للمرة الأولى منذ عام 2002، وتحت ظلال التهديد بشن عدوان مباشر على الشمال السوري بذريعة «عدم السماح بقيام كيان كردي مستقل» على حدود تركيا، وحماية الأمن القومي التركي من التهديدات الإرهابية التي يتحمل رجب طيب أردوغان، وأركان سلطته وحزبه الحاكم، مسؤولية وجودها وانتشارها، وإرفاق ذلك بحشد قوات عسكرية كبيرة على الحدود في المنطقة الممتدة بين مدينة جرابلس حتى ريف اللاذقية الشمالي، وبالأخص قبالة المناطق الشمالية لمدينة حلب، أي بين بوابة باب الهوى وباب السلامة، كلّف رئيس الجمهورية التركية، مكرهاً، أحمد داود أوغلو، بصفته رئيس الحزب الأكبر في البرلمان، بتشكيل الحكومة التركية الجديدة التي يجمع المحللون على أن العقبات والعراقيل التي يضعها أردوغان في سكة تأليفها ستقود، في نهاية المطاف، إلى استنفاد مهلة الـ45 يوماً التي يحددها الدستور، والذهاب، تاليا، إلى انتخابات جديدة مبكّرة يأمل سلطان أنقرة الافتراضي تعويضها عن خسارته النيابية الفادحة.
معادلة اللوحة السياسية التركية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة تفيد بعدم إمكانية اتفاق أحزاب المعارضة الثلاثة (الشعب الجمهوري، والحركة القومية، والشعوب الديمقراطي) على تشكيل ائتلاف حكومي بسبب إصرار حزب «الحركة القومية» اليميني على عدم المشاركة في أي حكومة يشارك فيها أو يدعمها «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي، وهو الموقف ذاته الذي أعلنه حزب «العدالة والتنمية» من الحزب الكردي قبل الانتخابات. ولأن «الشعب الجمهوري» العلماني الذي ما فتئ يطالب بتغيير جوهري في السياسات الداخلية والخارجية، ولاسيما حيال قضايا الفساد المستشري في جميع مفاصل السلطة، والموقف من سورية، وضع سلة من الشروط للائتلاف مع حزب أردوغان- أوغلو، ويطالب بالعديد من الوزارات الأساسية، كالخارجية والداخلية والعدل، فضلا عن مطالبته بالمشاركة في مختلف الهيئات والمؤسسات التي سيطر عليه «العدالة والتنمية» منذ 13 عاما، بما فيها الهيئات التي تنظم وسائل الإعلام والإنترنت والجامعات والمحاكم والسلطة القضائية والقطاعين المصرفي والمالي، فإن إمكانية ائتلافه مع «العدالة والتنمية» في حكومة واحدة تكاد تكون معدومة.
ويبقى خيار ائتلاف حزب أردوغان- أوغلو مع حزب «الحركة القومية» الذي سبق أن أهدى مرشح «العدالة والتنمية» منصب رئاسة البرلمان بعد امتناعه عن التصويت في انتخابات رئيس المجلس في الدورة الرابعة. إذ يبدو أن هذا الحزب الذي يتحدث زعيمه دولت باهتشلي عن ضرورة «التضحية» لإخراج البلاد من حالة عدم استقرار نتيجة عدم تشكيل حكومة، بصدد التراجع عن كل مطالبه المتعلقة بفتح ملف الفساد وتغيير السياسات الخارجية، وتولّي وزارات أساسية، والتزام أردوغان بحدود صلاحياته، في مقابل قبوله كشريك لـ«العدالة والتنمية» في الائتلاف الحكومي العتيد. أما المشكلة الأساسية لهذا الخيار فهي إصرار هذا الحزب القومي الشوفيني «المبدئي» على وقف المفاوضات الشكلية والمتعثرة مع الأكراد المعروفة باسم «عملية الحل»، ما يرفع من منسوب التوتر مع أكراد تركيا الذين تتراكم مؤشرات التململ في أوساطهم منذ إعلان أردوغان أنه «لن يسمح بقيام كيان كردي مستقل في الشمال السوري» وعقده العديد من الاجتماعات السرية والعلنية مع القيادات العسكرية والاستخبارية، وحشده المزيد من الوحدات العسكرية على الحدود.
وسط كل ذلك، يبرز معطى آخر له علاقة بشخصية أردوغان الذي يعتبر أكبر الخاسرين في الانتخابات الأخيرة. فالرجل «الدونكيشوتي» الذي تهاوت أحلامه دفعة واحدة لا يمكن أن يقبل بأقل مما كان بين يديه، حتى ولو كان ذلك على حساب تركيا وشعبها وأمنها القومي وشعوب المنطقة برمتها، ما يجعل من احتمال التورط في عدوان مباشر على سورية إمكانية واردة لإلهاء الجمهور والرأي العام الداخلي التركي بـوجود «خطر قومي» يتطلب التضحية بنتائج الانتخابات الأخيرة، والذهاب إلى انتخابات مبكّرة بعد 3 أشهر يمكن استغلالها لكسب تأييد الشارع بانتصارات «وهمية» يأمل أن يحققها ضد الأكراد و«داعش».. وسورية!