داعش بحلته الجديدة!
| وسام جديد
أيام قليلة فقط فصلت بين الإعلانات المتتالية عن انتهاء داعش في سورية وبين إعلان مركز المصالحة الروسي الأخير عن استمرار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تعاونه مع بقايا الإرهابيين في سورية، ما يشير إلى توافر معلومات لدى الجانب الروسي تؤكد رغبة الأميركي بخلق بؤرة توتر جديدة في مكان ما من سورية عبر تنظيم جديد.
هذه البؤرة، وكما تحدثت بعض المعلومات، قد تكون في الجنوب السوري، فلماذا الجنوب السوري، ومن هم بقايا الإرهابيين، وما حقيقة الأمور التي حصلت شرق نهر الفرات قبل وبعد تقدم ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد» هناك التي تدعم هكذا فكرة؟!
في 6 كانون الأول من العام الحالي، أعلن رئيس هيئة الأركان الروسية فاليري غير أسيموف استعادة السيطرة على مساحات كبيرة كان تنظيم داعش يسيطر عليها على الرغم من استمرار تواجد مجموعات تتبع للتنظيم وتنتشر في جيب بين البوكمال والسخنة، بالإضافة لجيب آخر في ريف حماه الشرقي، إلا أن هذا التواجد فقد مرتكزات بقائه مثل المدن الهامة أو البلدات الإستراتيجية أو المواقع النفطية أو الطرق الحيوية، وبالتالي فإن القضاء على هذه المجموعات سيكون «تحصيل حاصل».
الجيش السوري وبدعم من الحلفاء والأصدقاء استعاد السيطرة على أهم المدن وجميع القرى الممتدة على الضفة الغربية لنهر الفرات انطلاقا من جنوب الرقة وصولا إلى مدينة البوكمال على الحدود العراقية، وليتم بذلك تأمين الطريق البري البديل عن طريق دمشق بغداد عبر معبر «التنف – الوليد»، ولينهي حلم الإدارة الأميركية من هذه الحرب ألا وهو فصل العراق عن سورية.
وهذا من جانب غرب نهر الفرات أما من شرقه، فحصلت سيطرات متتالية لميليشيا «قسد» على مساحات واسعة دون اشتباكات، وبعضها كان فقط بتغيير رايات كما حصل في حقل العمر وغيره، ترافق مع اختفاء مفاجئ وسريع لأغلب المجموعات التابعة لتنظيم داعش هناك، فأصبح شرق نهر الفرات «خشبة العرض» لمسرحية تتحدث عن انتصارات لكنها في الكواليس هي عبارة عن استلام وتسليم.
خلال العدوان الإرهابي على سورية، بدأت الولايات المتحدة الأميركية بدعم تنظيمات وميليشيات حققت لها بعض الأهداف، غير الإستراتيجية، وفشلت في خلق الأهم، ألا وهو واقع يسمح للأميركي بفرض شروطه على طاولة المفاوضات، ما دفع الأخير لكشف أوراقه بعجلة وتسرع، حتى يمنع قدر الإمكان الانهيار الكامل لمشروعه في سورية.
بدأت المروحيات الأميركية القيام بعمليات إنزال في عمق مناطق سيطرة داعش، دون أي مواجهات بينها وبين عناصر التنظيم! وكلما اقترب الجيش السوري وحلفاؤه من دير الزور، كان الأميركي يزيد هذه العمليات، وترافق ذلك مع أمر جاء لـ«قسد» بالتحرك السريع باتجاه دير الزور، فرأينا مشاهد هزلية ورفع رايات «قسد» في مناطق مختلفة، خاصة في الحقول النفطية، لكن الجيش السوري ومع ذلك استطاع أن يسبقهم، فسيطر على مدينة دير الزور وبعدها الميادين والعشارة والبوكمال، التي تحاول الولايات المتحدة الأميركية حتى اللحظة، زعزعة الاستقرار الميداني هناك عبر عشرات الدواعش القادمين من مناطق شرق الفرات!
عمليات الإنزال الأميركية واختفاء داعش من شرق الفرات، مع بقاء بعض العناصر غير مسيطر عليها من الولايات المتحدة الأميركية، طرح أسئلة سرعان ما تمت الإجابة عنها من الروس، عندما أعلن مركز المصالحة الروسي، منذ أيام قليلة، أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يواصل تعاونه مع بقايا الإرهابيين في سورية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية شكلت ميليشيات مسلحة باسم «الجيش السوري الجديد» في معسكر للاجئين بمحافظة الحسكة.
كما صرح المركز بأن اللاجئين السوريين العائدين إلى المناطق المحررة من تنظيم داعش، أفادوا بأن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، استخدم لأكثر من ستة أشهر مخيم اللاجئين في محافظة الحسكة كقاعدة تدريب للمسلحين، وأوضحت مصادر إعلامية أن الولايات المتحدة تستخدم هذه القاعدة منذ أكثر من 6 أشهر، ويتواجد فيها حالياً نحو 750 مسلحا بينهم 400 من داعش تم إخراجهم من الرقة في تشرين الأول الماضي!
إذاً «الجيش السوري الجديد» هو الواجهة الجديدة لتحرك واشنطن العدواني في سورية، حيث تشير المعطيات إلى أنه يضم بقايا داعش، إضافة لبعض العناصر المتواجدة حالياً تحت جناح «قسد»، وآخرين كانوا قبلا ضمن ما يسمى بـ«جيش سورية الجديد» الذي انطلق من معسكر «التنف» الأميركي أيضا باتجاه البوكمال ليلقى مصرعه هناك ويوأد قبل أن يولد.
تنظيم داعش تم إلباسه ثياباً جديدة تحت مسمى جديد وتوجه جديد، وبعد أن أصبحت المنطقة الشرقية مقتله، كان لابد من مكان جديد، ذي أهمية إستراتيجية عالية، يظهر فيه ويقاتل انطلاقا منه، حيث أشارت التصريحات الروسية إلى أن الجنوب سيكون قاعدة الانطلاق لهذا التنظيم، ما يعني إدخال محافظة درعا من جديد في معركة، ولكن مصيرها سيكون كمصير دير الزور وحلب والميادين والعشارة والبوكمال وتدمر والسخنة وغيرها من المدن السورية التي تمت استعادة السيطرة عليها بالكامل من عصابات الإرهاب والخيانة، ونفضت عنها المشروع الأميركي الذي يصارع لإيجاد يد له في سورية، ستبتر عاجلاً أم آجلاً.
المشهد السياسي من تأجيل مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي إلى شباط القادم، و«تفخيخ» جنيف عبر البيان الذي تبنته معارضة «منصة الرياض»، كان كفيلا بإعادة التركيز على الجانب الميداني، حيث يبدو أن بعض الأحلام التخريبية، مازالت موجودة على الرغم من انكسار كبير شهده المحور المعادي لسورية، وهذا الجانب سيطيل من عمر الأحداث قليلا، أما النهاية فقد أصبحت واقعا لا مفر منه، ومحاولات تحسين الأوراق التفاوضية للولايات المتحدة الأميركية وحلفها، لن يكون إلا عبارة عن «أحلام اليقظة».