تركيا في توازنات الأزمة السورية
مازن بلال :
مشكلة أنقرة اليوم هي إيجاد قاعدة علاقات إقليمية لا تكسر التوازن القائم مع عدد من حلفائها، وفي الوقت نفسه إيجاد ترتيبات تخالف السيناريو الذي ظهر منذ بداية العام الحالي، فمسألة محاربة داعش هو حزمة كاملة من الترتيبات التي تتطلب إيجاد حسابات جديدة، كما أن الانخراط في سياق محاربة الإرهاب سيدفع نحو رسم «حلفاء» مختلفين على الأرض السورية، وهو ما دفعها إلى التعامل المباشر في سعي لتقليص مهام الفصائل المسلحة التي استخدمت تركية قاعدة انطلاق لها منذ بداية الأزمة.
عملياً فإن التدخل التركي المباشر فتح مجموعة أسئلة عن التنسيق القائم بين أنقرة وكل من الرياض والدوحة، فتحالفات الفصائل في الشمال السوري قامت على قاعدة هذا التنسيق، في حين استندت فكرتها في مسألة «المنطقة العازلة» على أولوية تركية وذلك بأن تكون المشرف الوحيد على هذه المنطقة نظراً لحساسية أمنها الداخلي، وهنا تبدو داعش على هامش هذا التحرك التركي، فهو غطاء سياسي للعمليات العسكرية، وهو في الوقت نفسه «حرب الظل» التي تقودها تركيا على طول الشمال السوري.
في المقابل فإن الاستحقاق التركي الأساسي يتمثل في عدم إتاحة أي تبديل يؤثر في المعادلة الداخلية، ومن قدرة «العدالة والتنمية» على خوض انتخابات مبكرة تحقق أهدافه بالدخول بقوة إلى التغييرات الدستورية التي يريدها، فأنقرة تقف أمام دائرة من التجاذبات الحساسة التي تظهر في ثلاثة أمور:
– الأول نوعية العلاقة مع الولايات المتحدة التي تركت لها هامشاً عسكرياً دون تحديد حدود واضحة لهذا الدور التركي، فواشنطن تختبر عملياًالقوى المؤثرة في الشمال السوري بما فيها «حزب الاتحاد الديمقراطي»، إضافة لقدرة أنقرة على إنجاز أهدافها دون أن يؤدي ذلك إلى تطور الاشتباك الإقليمي إلى اشتباك دولي مع موسكو بالدرجة الأولى.
– الثاني قدرة تركية على عدم الإخلال بالعلاقة مع طهران، والتخوف الأساسي هنا هو من تطور العلاقة بين طهران والقوى الكردية؛ الأمر الذي سيدفع عملياًإلى مواجهة على مستوى الجغرافية الجديدة على طول الحدود التركية الجنوبية.
– الثالث هو العلاقة بين موسكو وأنقرة، فمن المؤكد أن الكرملين يريد تخفيف الحدة التركية تجاه دمشق، وهو أمر لا يتوافق مع توجهات العدالة والتنمية، وفي الوقت نفسه فإن مسألة السوريين الأكراد تشكل نقطة أساسية في رؤية موسكو للموضوع السوري، وهو ما سيفتح تحديات في أي مواجهات قادمة نتيجة التدخل التركي المباشر في الأزمة السورية.
تشعر تركية بالكثير من القوة نتيجة موقعها اليوم من عملية إنتاج منظومة الشرق الأوسط، ولكن هذا الأمر لا يحدد سوى دائرة من العلاقات الصعبة التي تمثل تحديا في رسم إستراتيجية مختلفة لأنقرة، وهي تطوي زمنا كانت تمثل فيه المرجعية الأساسية لأي تحرك تجاه الحدث السوري، فهي ونتيجة حساسية الوضع الأمني على حدودها الجنوبية مضطرة لتجاوز الكثير من العوامل السابقة، وعلى الأخص علاقتها مع التشكيلات المسلحة، في حين ستبدو داعش مشكلة مؤجلة على صعيد المواجهة الحقيقية المباشرة بانتظار تبلور نظام أمن إقليمي جديد، ربما تكون المبادرة الروسية قاعدة له.