مفهوم «خدمة المجتمع» كعقوبة إصلاحية
| سهام يوسف
تتناقل محطات التلفزة الأجنبية المختلفة منذ سبعة أعوام تقريباً أخباراً تتعلق بمئات الأشخاص الذين يقومون بتسوية أوضاعهم أمام الجهات الرسمية المعنية في سورية وكذلك مراسيم العفو التي يستفيد منها المئات بل الآلاف من الأشخاص ولذلك أحببت أن ألفت النظر إلى أهمية وجود تشريعات تنص على تطبيق مفهوم (خدمة المجتمع) لما لهذا المفهوم من أهمية في إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع.
وهذا الموضوع تناولته التشريعات الأوروبية والغربية وأصبحت المواد القانونية التي تحكمه من أهم المواد في القوانين التي نصت عليه وقد نالت الدول التي تطبقه درجات متقدمة في الترتيب العالمي للدول الراعية لحقوق الإنسان.
ففي السويد على سبيل المثال: تضمنت النصوص القانونية العقابية التي تطبقها المحاكم عقوبة قانونية إصلاحية هامة تُعرف باسم (خدمة المجتمع)، وهي خدمة مجانية (غير مدفوعة الأجر) يحكم بها الشخص الذي ارتكب جرماً بسيطاً غالباً ما يكون من الجرائم الجنحية الوصف أو من المخالفات التي يعاقب عليها القانون بالحبس البسيط والغرامة.
حيث يحكم القاضي بما ينص عليه القانون من عقوبة تتناسب والفعل المرتكب ويراعي بالوقت نفسه قضايا إنسانية مهمة في حال كان المحكوم ذا مكانة علمية أو شخصية اجتماعية مرموقة كأن يكون (طبيباً أو محامياً أو معلماً في مدرسة أو متقاعداً من خدمة عامة) وفي مثل هذه الحالات يقدم مكتب الخدمة الاجتماعية تقريراً للمحكمة عن ظروف ارتكاب الجرم ومرتكبه وتأثير مدة الحبس التي سيمضيها في السجن على عائلته، وبناء على ذلك يقرر القاضي العقوبة التي ينص القانون عليها ويسأل المحكوم إن كان يرضى بتنفيذ عقوبة (خدمة المجتمع) لربع المدة في حال كان الحكم بالحبس أو نصفها وفي حال قبوله بذلك فإنه يؤديها مجاناً من دون أجر. ويتم وضع آلية تنفيذ ورقابة على هذه العقوبة وفي حال عدم تنفيذها بالشكل المحدد قانوناً يعاد لتنفيذ الحكم داخل السجن.
وبالعودة إلى ما سلف بالنسبة لأولئك الذين تتم تسوية أوضاعهم وإخلاء سبيلهم ممن حملوا السلاح ولم تتلطخ أيديهم بالدماء، فإنه من المستحسن أن تطبق عليهم عقوبة (خدمة المجتمع) وبالأحرى هم الأولى بها فقد تساهم في إعادة تأهيلهم وطنياً… كأن يفرض عليهم حضور محاضرات في دروس التربية الوطنية في الحصص المخصصة لهذه المادة في المدارس والجامعات أو مشاركتهم في إعادة تأهيل الأبنية والمؤسسات والجسور وخطوط الغاز ومحطات الكهرباء التي دمرها وخربها الإرهابيون.
حتى أولئك الذين يمضون فترة طويلة في السجن من المحكومين بأحكام جنائية يمكن تطبيقها عليهم حيث يوجد في القانون السوري ما يقارب هذا المفهوم والمتمثلة بـ(ربع المدة) التي تُمنح للمحكوم الذي يتمتع بالسلوك الحسن داخل السجن وهذا الربع المشار إليه يمكن أن يكون هو عقوبة خدمة المجتمع حيث يكلف المستفيد من ربع المدة بتنفيذ عقوبة خدمة المجتمع والتي قد تكون في تنظيف الشوارع، والحدائق أو الزراعة، وفي ورشات صيانة الأملاك العامة (المشافي- الجامعات- المدارس- الحدائق) وغالباً ما تراعى في تنفيذها المهنة التي يمارسها المحكوم عادة.
حيث يتم وضع جهاز إنذار في معصمه أو رجله يرتبط بشبكة تحكم عند الدوائر المعنية يمنعه من الابتعاد عن منطقة جغرافية محددة ومسافة معينة. وتزويده بوثيقة تثبت أنه ينفذ عقوبة (خدمة المجتمع) ويكون عنوان أهله وإقامته معروفاً بدقة لدى الدوائر الرقابية لهذه العقوبة.
إن إعارة هذا الموضوع الاهتمام اللازم وإعداد وإصدار القانون الذي يحكمه سيعطي بعداً إنسانياً وحضارياً جديداً لسورية وربما كان من أهم الخطوات الإصلاحية في هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها سورية وخاصة أنه سيكون منسجماً ومتوافقاً مع المعايير الأوروبية والغربية وسيلقى ترحيباً واسعاً على المستوى الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والرقابية الأخرى التي تنشط في مجال حقوق الإنسان.