التوافقات الحرجة في سورية
| مازن بلال
فتحت مسألة الجنوب الغربي لسورية ملفات بقيت مغلقة خلال السنوات الأخيرة من الأزمة، فالترتيبات الإقليمية والدولية في سورية كانت قائمة على أساس التحول السريع وتبدل المعادلات السياسية الداخلية، ومنذ الدخول العسكري الروسي على خط الصراع الدائر تبدل العديد من آليات إدارة الأزمة، لكن الموضوع الرئيس بقي من دون تغيير؛ فالموقع الإقليمي لسورية لم يبحث رغم أنه جوهر الحرب التي بدأت منذ عام 2011.
عملياً فإن الترتيبات العسكرية على الأرض تمنع بشكل أو بآخر إحداث تحولات كبيرة على مستوى الدور السياسي السوري، أو حتى صياغة الشرق الأوسط بناء على الحدث السوري، وربما على العكس من ذلك فالحرب عززت مكانة إيران في شرقي المتوسط وغيرت من طريقة الردع بين محورين يتصارعان في المنطقة، فإيران لا تملك نفوذاً في الشرق الأوسط فقط، بل أصبحت «النموذج» البديل عن «التحالفات العربية» التي انهارت مع بداية الربيع العربي، في المقابل فإن تركيا على المستوى السياسي على الأقل أصبحت البديل في التوازن عوضاً عن دول الخليج.
ضمن الصورة الجديدة فإن بؤر التوتر المتبقية في سورية أصبحت مناطق حرجة للتوافقات، سواء في الجنوب السوري أم في الشمال، حيث يصعب إيجاد حلول قوية تدعم استقرار الإقليم، فما أسسته الحرب لم يكن يستند فقط إلى الوجود العسكري الأجنبي؛ إنما تبديل الصيغ السياسية القائمة على «دولة المركز» التي نشأت منذ الاستقلال، إلى جغرافيات هشة ترعاها «محاصصة» داخل دولة مرنة على سياق العراق على سبيل المثال.
المشكلة التي نشأت في سورية أن دولة المركز وبعد ثماني سنوات من الحرب لم تعد تشكل «نظاماً سياسياً» فقط، بل أيضاً منظومة جيوسياسية تضم تحالفات إقليمية ودولية وخطاً إستراتيجياً داخل نظام دولي في طور التشكل، وهذا الأمر خلق أزمتين أساسيتين على مستوى التوافقات:
– الأزمة الأولى أن التفاهمات الدولية بشأن سورية بقيت أولية، وضمن نطاق إدارة الأزمة بانتظار ظهور تحولات أكثر عمقاً، ومعظم التفاهمات مبنية على قرارات من مجلس الأمن لكن تجلياتها على الأرض متروكة للاحتمالات داخل السياسة الدولية.
كان اتفاق الجنوب الغربي لسورية نموذجاً للتفاهمات الأولية بين موسكو وواشنطن، فهو منطقة خفض تصعيد من دون أي تفاصيل حول مآل الوضع وكيف يمكن إنهاء حالة الصراع في تلك المنطقة، فالتركيز بالنسبة للولايات المتحدة انصب على إبعاد إيران من الجنوب السوري، على حين اهتم الطرف الروسي بالتهدئة فقط من أجل إنجاز مهام سياسية على مستوى سورية عموماً، فكان مؤتمر الحوار في سوتشي وإنهاء ملفات الغوطة والمنطقة الوسطى وغيرها.
– المستوى الآخر كان على المستوى الإقليمي حيث الأزمة هنا تكمن في رسم تحالف بديل؛ يضمن استيعاب نتائج عدم انهيار المنظومة التي تم استهدافها عبر الحرب في سورية، وربما من هذه الزاوية تحديداً ظهر ما يسمى «صفقة القرن».
كان التصور الأولي هو لجم القوة الإيرانية في الشرق الأوسط سواء عبر الحرب في سورية، أم من خلال الفرز المذهبي الذي فرضه «منطق» الربيع العربي نتيجة المرجعية الدينية للسعودية أو تركيا، واليوم فإن مسألة الحد من النفوذ الإيراني تتطلب أكثر من التحول السوري، فهي تسعى لسحب ذرائع إيران وإيجاد تسوية جوهرية في فلسطين.
التفاهمات الحرجة تعني في النهاية أن الوضع السوري وقضايا المنطقة لم تعد ضمن إطار التفاهمات الأولية، فأي اتفاقات جديدة ربما ستحول من المسار الدولي العام تجاه شرقي المتوسط عموما، فالتعامل الحالي لم يعد صعباً فقط بل يحتاج لسيناريو عميق وواسع يطول المنطقة ولن يكون هدفه حل الأزمة السورية فقط.