ما بعد إدلب وترامب
| تحسين الحلبي
يبدو أن الإدارة الأميركية وعلى وجه التحديد وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لم تشهد تدهوراً في قدرتها على المحافظة على مصالحها مثل هذه الفترة التي تمر بها في الشرق الأوسط بل في المثلث السوري العراقي الإيراني، فقد أحرقت كل أوراقها مع طهران بعد انسحابها من اتفاقية الدول الخمس +1 في الموضوع النووي وبعد إعلانها حرب حصار وعقوبات اقتصادية حادة على إيران مثلما خسرت بعض الأوراق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إضافة إلى أن وجود وحدات عسكرية أميركية لها على الأرض السورية يجعلها فيما يشبه حالة الحرب المعلنة على سورية وحلفائها، وفي العراق خسرت واشنطن أوراقاً كثيرة وازدادت القوى العراقية الشعبية المسلحة والسياسية عداء لها إلى حد المطالبة بإنهاء وجود أي عسكري أميركي على أراضيها، ولم يستطع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته إلزام بغداد بمعاقبة طهران وحظر التبادل الاقتصادي معها ولا مع تركيا في الوقت نفسه.
وأصبحت كتلة قوة إيران وسورية وجزء من قوة العراق هي الجبهة الإقليمية القادرة على التصدي لأي مغامرة عسكرية ضد هذه الأطراف التي تدعمها موسكو سياسياً وعسكرياً، بل إن موسكو حذرت واشنطن أول أمس من مخاطر وجودها العسكري عند منطقة التنف التي أصبحت على أولوية جدول العمل العسكري السوري مع الروسي لاستكمال تطهير منطقة جنوب وشرق سورية من المجموعات الإرهابية الموجودة هناك.
يبدو أن من يرسم القرارات لترامب فضل في هذا التوقيت الإعلان عن أن واشنطن ستحتفظ بوجود وحداتها العسكرية، بين 2000 إلى 3000، جندي في شمال شرق سورية ولن تدرس مسألة انسحابهم في الأشهر المقبلة بموجب ما ذكر المبعوث الأميركي المختص بسورية جيمس جيفري.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو: ماذا سيكون مستقبل وجود هذه الوحدات بعد تطهير إدلب المرتقب من المجموعات الإرهابية؟ فسوف يسقط حينئذ مسوغ وجود هذه الوحدات التي زعم ترامب أنها ستبقى إلى أن تتم تصفية وجود مجموعات داعش من تلك المنطقة، ففي هذه الحالة لن يبقى من مزاعم لتسويغ استمرار هذه الوحدات الأميركية سوى موضوع تقديمها الدعم العسكري للمجموعات الكردية في شمال شرق سورية، فهل ستمنح مجموعات «وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية» مسوغاً لوجود الوحدات الأميركية؟
يبدو أن الأدلة المنطقية والمرتبطة بمصالح أطراف كثيرة تشير إلى عدم مقدرة أو رغبة هذه المجموعات باعطاء واشنطن تسويغاً لاستمرار وجودها كقوة محتلة لجزء من الأرض السورية، فالقوى العراقية والكثيرون من المسؤولين في العراق يطالبون الآن بخروج ما بقي من وحدات عسكرية أميركية جاءت إلى العراق بحجة مساعدة الجيش العراقي على محاربة داعش الذي لن يكون له أي وجود خلال الأشهر أو الأسابيع المقبلة.
ويبدو أن وزارة الدفاع الأميركية تدرك ورطتها في منطقة شمال شرق سورية وعدم المراهنة على المجموعات الكردية بعد أن حقق الجيش العربي السوري وحلفاؤه الانتصارات الحاسمة على مجموعات داعش الإرهابية، ولهذا السبب أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن ترامب وافق على بقاء هذه الوحدات «إلى وقت غير محدد»، إضافة إلى ذلك كشف عدد من الخبراء الأميركيين في مراكز الأبحاث الأميركية أن ميزان القوى في منطقة الحدود السورية العراقية والعراقية الإيرانية والتركية الإيرانية أصبحت كفته ترجح لمصلحة هذه الأطراف الإقليمية ومن يدعمها على المستوى الدولي مثل روسيا والصين.
يحذر هؤلاء الخبراء الأميركيون من أن يؤدي انتصار سورية وحلفائها إلى زيادة الثمن الذي ستدفعه واشنطن في كل منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً بعد تدهور علاقاتها مع باكستان في أعقاب انتخاب قيادة باكستانية جديدة تفضل التعاون مع الصين وروسيا، وبالمقابل كشفت المجلة الإلكترونية الأميركية «ريزون» أن واشنطن تكرر أخطاء الرئيسين السابقين جورج بوش وبارك أوباما وما تزال تدفع ثمناً من دون أي إنجاز مهم في أفغانستان بل إنها تخسر بشكل متزايد شهراً تلو آخر، وإذا ما أبعدت باكستان نفسها عن التورط مع واشنطن في أفغانستان فإن خسارتها ستتضاعف وستؤثر في مجمل سياساتها في منطقة الشرق الأوسط.