حين تقوم القيادة الإسرائيلية بعرض «بالونات» التطبيع مع بعض المسؤولين والقادة العرب مثل سلطان عمان السابق قابوس بن سعيد ورئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، فهي لا تفعل ذلك لكي يتدفق الإسرائيليون على مدن وسواحل هذه الدول العربية ولا لتشجيع المواطنين العرب على زيارة الكيان الإسرائيلي، فهذا لم يحدث مع دولتين جارتين لإسرائيل مصر والأردن، فمصر وقّعت على اتفاق سلام علني في كامب ديفيد منذ أكثر من أربعين سنة، ومع ذلك ما زال الشعب المصري يقاطع إسرائيل وما زال الشعب في الأردن يقاطع إسرائيل، وهذا ما يعرفه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والبرهان، فإذاً ما الغاية من هذه «البالونات» التي ينضح بها نتنياهو في عرضه العلني للقاءات مع بعض المسؤولين العرب؟
يشير المحللون الإسرائيليون أنفسهم إلى أن الغاية هي إعطاء إيحاء رسالة للإسرائيليين بأن مثل هذه اللقاءات ستتيح لهم توظيف بعض الحكومات العربية وربما بعض جيوشها للمساهمة مع إسرائيل في محاصرة المقاومة الفلسطينية والعربية والتخلص منها، فنتنياهو يريد من البرهان وغيره القيام بدور تقديم المعلومات عن كل من يقاوم الاحتلال عربياً كان أم فلسطينياً، ونتنياهو يريد فتح مكتب لـ«الموساد» أي لجهاز التجسس والمهام الخاصة الإسرائيلي، ولن يكون من المستغرب أن يحضر الاجتماع بين نتنياهو والبرهان يوسي كوهين رئيس جهاز الموساد فقد رافقه في زيارته لسلطان عمان الراحل، وربما لتحديد المكان المناسب لمحطة الموساد التجسسية.
السؤال الثاني: ماذا يستفيد السودان من نتنياهو حين يدافع عنه البرهان، هل الفائدة تكمن في التوسط مع ترامب لإزالة اسم السودان من الدول الداعمة للإرهاب؟ وهل هناك حرب تجري بين الخرطوم وواشنطن ويريد البرهان وقف نزيف الدماء من هذه الحرب؟ ثم ماذا استفاد سلطان عمان الراحل من زيارة نتنياهو؟ هل هو موجود في قائمة الإرهاب أيضاً؟
بالطبع لا، والحقيقة أن المستفيد هو نتنياهو على غرار ترامب الذي قال علناً إنه سيقدم الحماية العسكرية لكل نظام حكم متحالف معه مقابل مبالغ مالية، وهذا هو ثمن العلاقات بين واشنطن وبعض العواصم العربية.
تقدم إسرائيل إعلاناتها لدول عربية كثيرة لتقديم الخدمات الأمنية والاستخباراتية لحماية حكامها، فثمة أكثر من 100 شركة إسرائيلية خاصة لخدمات التنصت والاختراق الإلكتروني مستعدة لمراقبة وتسجيل الاتصالات بين المواطنين في السودان وكل دولة يريد حكامها معرفة ما يدور عند الجمهور، وهذا ما كشفته في 31 آذار 2017 المجلة الاقتصادية الإسرائيلية الشهيرة «ذا ماركر» حين تحدثت عن أكبر متعاقد في مثل هذه الخدمات مع دول عديدة عربية وهو من أهم الخبراء في هذه المواضيع ويدعى، شموئيل بار، صاحب شركة خاصة للخدمات الأمنية تدعى «اينتوفيو» وخدم 30 عاماً في الموساد في الاختصاص نفسه، تقاعد من المخابرات عام 2003 في عهد تزايد الإرهاب بعد احتلال العراق وانتشار منظمة القاعدة وغيرها، واستعان بمن خدم معه في سلاح التنصت والرصد الإلكتروني وعالم الاتصالات المتطورة وبدأ يعلن عن خدماته في السوق العالمية والعربية.
يقول شموئيل بار للمجلة: «طلب مني بعض السعوديين تقديم خدماتي فأنشأت شركة خاصة غير معروفة بعد بعلاقتها بإسرائيل ووظفتها في خدمتهم لمراقبة المعارضين داخل السعودية واسم الشركة «اينت مكان» وتستطيع معالجة 4 ملايين من الرسائل في الفيسبوك وتويتر في اليوم الواحد ويضيف قائلاً: «بعد فترة طلب السعوديون تقديم أبحاث عن اتجاهات الرأي داخل العائلة المالكة» وطلبت المجلة في ذلك الوقت الحصول على تعقيب على حديث شموئيل بار، فلم يرد السعوديون، وبهذا الشكل تجمع إسرائيل أكبر كم من المعلومات لتصبح قادرة على استخدامها لتحقيق الهدف الذي تريده، فهي تستطيع إعطاء معلومات صحيحة أو غير صحيحة لمن يتعاقد معها حسب مصلحتها.
هذا هو التطبيع الذي يريده نتنياهو من البرهان علماً أن من وقّع مع إسرائيل على اتفاق سلام لم يقبل بمثل هذه العقود!