محكومون بالانتظار، ولو امتلكَ الانتظار أسطورةً لأعدنَا صياغتها حتى تتناسب مع واقعنا.
في هذا الشرقِ البائس، بارِعون نحنُ باستحضارِ الجن والخرافات، بنبشِ الماضي المؤلم وعدمَ تعويمِ الماضي المشرق، لا مانعَ من الحديثِ عن حربٍ حدثت بسببِ ناقةٍ والتفاخرِ بها، لكن ماذا عن ثورةِ الزِّط مثلاً؟ هل كانت ثورةَ قطاعِ طرقٍ كما حدثنا التاريخ أم كانت أول ثورةٍ «يسارية» فوأَدنا الحديثَ عنها؟
لا مانعَ من التزوير والقول: إن أميراً هبَّ لنجدةِ امرأة استجارت بهِ في بلادِ الترك، لكن إياكَ أن تسأل هل حقاً كانت مجردَ امرأة! عندها ستبدو كمن يُحاكم التاريخ، فقط خُذ مقعدكَ واجلس في طابورِ الانتظار لتشاهدَ معنا الأحداث.
في انتظارِ سياسةِ الرئيس الأميركي الجديد، تصالحَ العرب، استخلصوا من عبارةِ سعد اللـه ونوس «محكومون بالأمل» فكرةَ أنهم محكومون بالإبقاء لكن حفلاتَ سمرهم لن تكونَ من أجل 5 حزيران، بل للكتابةِ من جديدٍ على رأسِ المملوكِ جابر كونهم يمارسونَ الغدر ذاته، قد يتهاوشون من جديدٍ على «صيدة»، وهل حصدَ أبرياء العراق أولى ثمراتِ تهاوشهم؟ ربما؟ من قال إن الضباعَ تتقنُ فنَّ التوبة!
أدركوا مبكراً بأن راعي البقر الجديد يحِب حقوقَ الإنسان، يا لهذهِ العبارة كم تصيب البعض بمقتل؟!
اكتشفوا فجأة بأن عصا حقوق الإنسان التي سيرفعها بايدن وقتَ يشاء بوجهِ الحلفاء، لا تختلف عن عصا الدفع مقابل الحماية التي كان يرفعها دونالد ترامب، ولا نعلم هل سيسجلُّ التاريخ في حديثهِ عن هذه المصالحة بأن امرأة نادت أميراً واستجارت به فهبَّ لنجدتها بتوحيدِ القبائل؟
كبير «بصاصي»، الرئيس الأميركي، السيد جو بايدن، أعلن صراحةً عن كشفِ حسابٍ حول مقتل المعارض جمال الخاشقجي، فجأة لم تعد «جزيرة» آل ثاني تغطس في خليج الرأي والرأي الآخر، ولم تعد «عربية» آل سعود تستكشف بواطن الجذور اليهودية لآل ثاني، حتى عضو الكنيست السابق ومنظِّر ربيع الدم العربي الذي كان يوماً ما ضيفاً على بلدِ المقاومة، عزمي بشارة، كما «عُريفي» جهاد النكاح، ليحاضر بها بالصمود والتصدي، طُرِدَ وجُمِّد.
من قال إن العرب لا يجتمعون؟ ألم تشاهدونهم وهم يباركون لبعضهم بعضاً بخطوات التطبيع العربية؟!
في انتظارِ سياسةِ الرئيس الأميركي الجديد، تعالوا نغطِ فشلنا بالكلام المُشخصن عن إدارته، فجأة تناسينا كل ما لدينا من مصائب إدارية ومالية واقتصادية وبتنا نركز بأن بايدن، عينَ امرأة متحولة جنسياً كوزيرة؟ لا أعرف حقاً متى يتقن البعض التمييز بين الانتقاد والشخصنة، أنتم تحاكمون مجتمعاً أم تحاكمون أداء؟ ماذا يعنيني كمواطن عربي إن كان هذا الوزير/الوزيرة متحولاً أم لا؟ ماذا يعنيني إن كان هذا الوزير مثلياً أم لا؟ ما يجب أن يعنيني مقاربة الأداء بين وزير هنا ووزير هناك، هل نعلم نحن في هذا الشرق بواطنَ وميول وسلوكيات كل مسؤولينا مثلاً؟! إلى متى سنبقى نحوِّل تحليلنا لقدرات العدو إلى أشبه بجلسات القهوة الصباحية التي لا تخرج ثرثرتها عن انتقاد هذا والسخرية من ذاك؟!
بدل الدخول بهذهِ التفاهات الإعلامية تعالوا نسلِّط الضوءَ على الخلفيات السياسية لهذه الإدارة، تعالوا نبنِ آلية مناسبة للتصدي لكل ما قد تقوم به، لا انتظار ما ستقوم بهِ.
في انتظار سياسة الرئيس الأميركي الجديد، علينا أن نشكرَ من ذكَّرنا بأن الرئيس المنصرف كان ديكتاتوراً، لكن هل هذا يعني بأن جو بايدن سيحمِل بيده حمامةَ سلام وبيدهِ الثانية قلماً يعيد أميركا إلى الاتفاق النووي مع إيران؟! هل هناك فعلياً من يأخذ بجدية التحليلات التي تحجب عن بايدن نزوعه للحرب كونه عارضَ يوماً الحرب على العراق؟! هل علينا أن نذكِّرَ هؤلاء بأن من قام بالحرب هم الجمهوريون، وبايدن ديمقراطي؟! ثم منذ متى والديمقراطيون يشنون الحروب؟ ألم ينجح أسلوب الحرب الناعمة لديهم بتدمير الشرق بالكامل؟! إن بعض التحليلات باتت فعلياً أقرب للإبر التخديرية.
اليوم تبدو سورية تواجه كل الغطرسة الصهيونية بما فيها دول الاستكبار الغربي، على هذا الأساس علينا الاعتراف بأن جزءاً لا يستهان بهِ من السوريين سئم من استهلاك الشعارات، لأننا عملياً الوحيدون من يطبق الشعار قولاً وفعلاً، وهذا لا يضيرنا بشيء لأننا أساساً ندرك بأننا ألف باء الصمود وندرك بأننا الباقون كزهر البيلسان من دون خطابات ودون عنتريات.
إن القادم على المنطقة وتحديداً بما يتعلق بالشأن السوري لا يبدو وكأنهُ يبشر بالخير، تحديداً مع عودة الآباء الروحيين لداعش إلى البيت الأبيض، وهذا ما يفسر بداية تحركات الإرهابيين من كل حدبٍ وصوب.
ما نحتاجه اليوم فعلياً هو مشروع يحدد الأولويات من دون مجاملات، علينا العودة إلى سياسة الشفافية والحوار، تلك الكفيلة بتخفيف غضب الشارع قدر المستطاع وأن نبحث عن حلول تمكنا من توفير أدنى مقومات العيش الكريم، إلى أن تنضج الظروف السياسية، وتتحرر ثرواتنا المحتلة، ونستعيد ألق سورية المقاومة، ومن يراهن على سياسة جديدة للرئيس الأميركي الجديد، فكأنه يطالبنا بالجمود والانتظار، وقد يأتي يوم نصبح فيهِ كمن سألهُ أحفاده ماذا فعلتم؟ فيجيبه كنا بانتظار سياسة الرئيس الأميركي الجديدة.