في عام 2002 نجحت الضغوط التي مارستها كل من ليبيا والجزائر والسودان ودول إفريقية أخرى بفصل إسرائيل عن عضوية مراقب في منظمة الوحدة الإفريقية، ومنذ ذلك الوقت بذلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كل الجهود للعودة إليها وها هي للأسف الشديد، تنجح باستعادة هذه العضوية بعد 19 عاما في قارة تضم 19 دولة عربية ومسلمة بين 54 دولة إفريقية، بل ويشكل سكانها المسلمون ما يقرب من 40 بالمئة من عدد السكان الأفارقة، كما ينتشر المسلمون الأفارقة في معظم دولها وأراضيها كمواطنين أصليين ربطتهم بالعرب في إفريقيا أمتن وأقدم العلاقات المشتركة.
لا شك أن الكيان الإسرائيلي سيبدأ باستغلال هذا «الإنجاز» في هذا الوقت لتنفيذ الخطط والسياسات التي تهدف إلى تحقيق أهدافه بوساطة العمل على توظيف أكبر عدد من الدول الإفريقية لمحاصرة أي دولة عربية إفريقية تناهض الاحتلال الصهيوني وتدعم قضية فلسطين واستعادة الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان العربي السوري.
ومثلما وظفت الحركة الصهيونية يهود أوروبا من أجل اغتصاب فلسطين ثم من أجل تشكيل مراكز نفوذ أوروبية للكيان الإسرائيلي في العقود الماضية، سيحاول قادة هذا الكيان توظيف المستوطنين اليهود الذين جرى تهجيرهم إلى الأراضي المحتلة من دول المغرب العربي وإثيوبيا، في خدمة توسيع النفوذ الصهيوني في الدول الإفريقية وتسخيره ضد المصالح العربية في إفريقيا والمنطقة.
من المتوقع أن تعمل مراكز إعداد الخطط المشتركة بين الحركة الصهيونية العالمية والكيان الإسرائيلي على استغلال هذه الفرصة في هذه الأوقات لتنفيذ خططها وأولاها:
1- تقديم الخدمات الأمنية والتجسسية عن طريق الشركات الإسرائيلية الخاصة والمتعددة الجنسيات للاستفادة منها في ساحة منظمة الاتحاد الإفريقي وستعرض ذلك على كل من يرغب من حكام إفريقيا عن طريق العلاقات الثنائية وهذا ما قام به الجنرال إيهود باراك رئيس حكومة ورئيس مخابرات عسكرية سابق في إسرائيل، حين تعاقد مع رئيس ساحل العاج على تأسيس سلاح مخابرات وجيش جديد لدولته مقابل خمسين مليون دولار بموجب، ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في زاويتها الاقتصادية «كالكاليست» وها هي شركة «بيغاسوس» للخدمات الخاصة الأمنية يجري الحديث في هذه الأوقات عن بعض ملفات تورطها في التنصت على المسؤولين في المغرب وفرنسا.
2- من المتوقع أن تنفذ تل أبيب خطة تفرض بوساطتها على الاتحاد الإفريقي اتخاذ قرار يحظر فيه على دوله السماح بانتقاد الصهيونية واتهامها بالعنصرية وباحتلال الأراضي العربية، وهو ما طبقته على الاتحاد الأوروبي بحجة منع «معاداة السامية»، ويذكر أن الإدارة الأميركية كانت قد عينت إيلان بار عام 2019 رئيسا لمكتب رصد ومنع معاداة السامية على مستوى أميركا والعالم وقام بوضع تعريف لمعاداة السامية حدد فيه أن كل من ينتقد الصهيونية وإسرائيل يعد معادياً للسامية وأقر الكونغرس الأميركي مسودة هذا القرار وقام بار هذا بزيارة قبل عام إلى أوروبا وفرض هذا التعريف على الاتحاد الأوروبي وأعلن أنه سيفرضه على المنظمات الإقليمية في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وأقنع بار الإدارة الأميركية بفرض العقوبات على أي دولة لا تلتزم بحظر جميع أشكال «معاداة السامية» ومنها مناهضة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي بموجب التعريف الجديد لـ«معاداة السامية».
3 – ستقوم تل أبيب بمحاصرة الجزائر وتونس وليبيا بشكل خاص لمنعها من التمسك بمواقفها المختلفة عن موقف المغرب والسودان وربما تدعم المغرب ضد الجزائر في موضوع صحراء البوليساريو ولذلك ستواجه القيادة الجزائرية تحديات جديدة في ساحة شمال إفريقيا بسبب الدور الإسرائيلي داخل منظمة الاتحاد الإفريقي الذي تمكنت إثيوبيا فيه بدعم إسرائيلي من فرض سياستها الأحادية في موضوع نهر النيل على مصر والسودان في ظل احتمالات نقل جزء من مياهه إلى منطقة أراضي النقب الجرداء الصحراوية جنوب فلسطين المحتلة منذ عام 1948 لمصلحة الكيان الإسرائيلي.
لهذه الأسباب والتوقعات تفرض الضرورة على الشعب الفلسطيني وقيادة فصائل المقاومة زيادة استعداداتها لمواجهة تحديات إسرائيلية غير مسبوقة ضد محور المقاومة في ساحة المنطقة وبخاصة لأن قيادة الكيان الإسرائيلي ستعمل على زيادة الانقسام داخل منظومة الدول العربية وستستخدم منظمة الاتحاد الإفريقي ضد مصالح الدول العربية في المغرب العربي وشمال إفريقيا وضد المنطقة كلها.