حاول الكاتب والمخرج المصري محمد دياب سكب الماء على النار التي تستهدف فيلمه الروائي الطويل «أميرة»، إذ أعلن يوم الأربعاء الماضي، عن وقف أي عروض للفيلم وسحب ترشيحه لجائزة الأوسكار، وطالب بتأسيس لجنة متخصصة من الأسرى وعائلاتهم لمشاهدة الفيلم ومناقشته، كما أكد أن «… الفيلم خيالي وليس مبنيا على قصة واقعية»، إذ إن «أميرة» بطلة القصة تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، على حين لم يلجأ الأسرى إلى تهريب « نطف الحياة» قبل عام 2012».
في السياق نفسه أكد المخرج أنه: «… منذ بداية عرض الفيلم في أيلول 2021 في مهرجان فينيسيا والذي تبعه عرضه في العالم العربي في مهرجاني الجونة وقرطاج وشاهده آلاف من الجمهور العربي والفلسطيني والعالمي، كان الإجماع دائماً أن العمل يصور قضية الأسرى بشكل إيجابي وإنساني وينتقد سياسة الاحتلال بوضوح. «ولتأكيد حسن نياتهم أورد صنّاع الفيلم في نهايته العبارة التالية: «منذ 2012 ولد أكثر من 100 طفل بطريقة تهريب النطف، وتأكد نسب الجميع فيما ظلت طريقة التهريب غامضة».
غير أن هذا لم يرض الناقمين فقد وصف أحد الصحفيين أسرة الفيلم بأنهم «زمرة ساقطة» لأن الفيلم: «يشوه ويتطاول على أنبل وأطهر وأشرف وأنقى ما أنتجه المناضلون في سجون الاحتلال الإسرائيلي بتهريب النطف وإنجاب الأطفال». وقال آخر: «الأسرَىَ الفلسطينيون صنعوا المعجزات، هَرَّبوا النُطفَة وصنعوا الحُرِّيَة بالملعقة. «ومن المفاجئ أن بعض الفنانين والإعلاميين الجادين ساهموا في تصعيد الهجوم على أسرة الفيلم إذ أعلنت فنانة رصينة أنه «يجب ضرب ممثلي الفيلم ومنتجيه بالأحذية».
أصارحكم أنني لم أرَ الفيلم بعد وليس من عادتي تناول أي موضوع قبل الإلمام بتفاصيله، لكنني توصلت من خلال ما قرأته لاستنتاج قد يسهم في إنهاء هذه المعركة الزائفة التي تشوش على قضايانا الحقيقية.
فيلم «أميرة» إنتاج مشترك بين فلسطين والأردن ومصر، من كتابة وإخراج المصري محمد دياب، وهو يدور حول تهريب نطفة من معتقل فلسطيني إلى خارج السجن، وبعد ولادة الطفلة يتبين أنها ابنة ضابط إسرائيلي قام بتغيير العينة أثناء تهريبها.
لم أحتج لكثير من التفكير لأكتشف أن سيناريو «أميرة» ما هو في جوهره إلا كتابة عكسية لحبكة «عائد إلى حيفا» للأديب غسان كنفاني، فعندما يعود سعيد وزوجته صفية إلى حيفا بعد عشرين عاماً من النكبة، يجدان أن طفلهما «خلدون» الذي نسياه عندما هربا من قذائف المدفعية، قد أصبح شاباً اسمه دوف، وهو مجند في جيش الاحتلال وقد تبنته الأسرة اليهودية التي استوطنت البيت، وتكون الصدمة عندما يقرر ابنهما البقاء مع اليهودية التي ربته. هكذا يكتشف سعيد وزوجته صفية أن «فلسطين ليست استعادة ذكريات، بل هي صناعة للمستقبل».
وما يؤكد التشابه بين العملين هو أن «أميرة» تختار في النهاية أن تكون فلسطينية وأن تنحاز للقضية، كما اختار «خلدون» أن يبقى مع اليهودية التي ربته، ما يؤكد مقولة كنفاني: «الإنسان في نهاية المطاف قضية».