مشهد تغول العدو الإسرائيلي في بلاد الخليج العربي يتطور بشكل جلي وبعد استقبال دولة الإمارات العربية لرئيس الكيان الصهيوني استقبالاً رسمياً في قصر الوطن في أبو ظبي نستطيع القول إن الإطاحة بالهوية العربية وصولاً إلى تغيير وجه وشكل المنطقة العربية بات الآن على المكشوف وبأياد من المفترض أنها عربية.
زيارة رئيس الكيان الصهيوني للإمارات تزامنت مع بدء تدشين مرحلة تطبيع سعودية إسرائيلية ذلك بعد سماح السلطات السعودية بعبور طائرة الرئيس الإسرائيلي لمجالها الجوي في لحظات تاريخية كما وصفها رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ من قمرة الطائرة مستمتعاً في مشاهدة الأراضي السعودية بالعين المجردة.
لم يهنأ الرئيس الإسرائيلي بالاستقبال الحافل الذي أقيم له في قصر الوطن حيث تعرضت أبو ظبي لصلية من صواريخ الحوثيين في رسالة واضحة تعبر عن رفض هذا التغول الإسرائيلي والانبطاح الخليجي والتعامل مع إسرائيل كدولة غير محتلة لفلسطين العربية، مع تجاهل كامل لألسنة النار الملتهبة ورائحة الدماء التي تزهق، بسبب فتن ومؤامرات العدو الإسرائيلي في كل من اليمن وسورية والعراق وفلسطين.
ليست مصادفة أن تأتي زيارة هرتسوغ للإمارات عبر المجال الجوي السعودي في ظل الهجمة الخليجية الشرسة على محور المقاومة، وخصوصاً على حزب اللـه في لبنان، بعد ورقة المطالب الخليجية الإسرائيلية المدعومة من أميركا وفرنسا ومصر والأردن، والتي تمحورت حول الطلب من لبنان التزام سياسة الحياد قولاً وفعلاً، بالإضافة إلى وضع إطار زمني لتنفيذ القرار 1559 الخاص بنزع سلاح المقاومة في لبنان.
في مقارنة سريعة بين ورقة المطالب الخليجية من لبنان 2022، وبين ورقة المطالب الخليجية من قطر إبان أزمة الحصار عام 2017، لوجدنا بأن القاسم المشترك بين الورقتين يتمحور حول محاصرة إيران كدولة، واعتبارها العدو الأول للخليج وذلك لمنعها من دعم محور المقاومة في المنطقة تحت مسمى الشرعية الدولية، مع ترداد نغمة التدخل الإيراني في الشؤون العربية.
بالعودة للتاريخ القريب إبان الحصار الخليجي لقطر، يتبين لنا الدول التي دعمت ورقة المطالب الخليجية من الدوحة، هي نفسها التي أيدت ورقة المطالب الخليجية من لبنان، ومع ذلك لم تستجب حينها قطر للتهديدات وللمطالب الخليجية وها هي استعادت مقعدها وعلاقاتها الطبيعية في مجلس التعاون الخليجي فيما يفرض على لبنان تنفيذ المطالب بخمسة أيام، في حين يمنع على سورية الدولة استعادة مقعدها في الجامعة العربية.
من الواضح بأن المطلوب من دول الخليج أميركياً وأوروبياً، الارتماء في أحضان العدو الإسرائيلي وممارسة شتى أنواع الضغوط الاقتصادية على دول المواجهة بهدف إفراغ المنطقة من أي مقاومة مسلحة تهدد أمن العدو الإسرائيلي، ما يعني بأن نغمة إعادة لبنان وسورية إلى الحضن العربي تعني في حقيقتها الارتماء في الحضن الإسرائيلي.
إن الخناق الاقتصادي والفتن والفوضى والضغط المتواصل لضرب المبادئ والقيم في مجتمعات دول المواجهة مع العدو الصهيوني، جرى الإعداد له في أروقة مراكز الدراسات والدعاية الأميركية الصهيونية الخليجية، وبشكل ممنهج ومدروس بدقة، والهدف هو إظهار صور المجتمعات المطبعة مع العدو الصهيوني بأنها تنعم بالتقدم والازدهار والنمو الاقتصادي، فيما مجتمعات دول المواجهة، أضحت محكومة بالفوضى تعاني الفقر والعوز وانعدام الطمأنينة لمستقبل أبنائها.
الفوضى في مجتمع ودول المواجهة، لا تعني بأنها تتجلى على المستوى الأمني فقط فالحقيقة المُرّة بأن هذه الفوضى تعني فوضى بالمعرفة وفوضى بالفهم وفوضى بالاستنباط بالمعلومات باستشراف المستقبل بالرؤى وبالخطط والدراسات، بالاقتصاد المنتج وحتى فوضى بالرد على اعتداءات العدو الإسرائيلي.
الفوضى هي منتج طبيعي للفساد المستشري والذي بات ثقافة لا بد منها في مجتمعنا، وفي مرافق دولنا وحكومتنا، أما الفساد الأخطر فهو ذاك الذي بات يستحكم بالنُخب وبخاصة النخب المثقفة التي ما برحت تروج لمقولة «خلصنا بدنا نعيش» دون الأخذ بالمعايير والقيم والمبادئ، الأمر الذي يفسر العجز الذي أصاب أولئك في التمييز بين الفريسة والمفترس أو العجز عن التقاط أو فهم اللحظة التاريخية والمصيرية بأننا أمام مفترق مصيري حقيقي ليس لبناء الحاضر إنما لضمان مستقبل بلادنا وهويتنا وأجيالنا.
صحيح أننا نعاني الأمرين في تأمين المواد الأساسية كالمازوت والبنزين وغاز التدفئة، وسط إرهاب اقتصادي هائل واعتداءات إسرائيلية متكررة، من دون رد ينعش ذاكرتنا، حتى بتنا نشعر بأن وظيفتنا هي إحصاء الاعتداءات الإسرائيلية علينا فقط، لكن هل كل معاناتنا من صنع الأعداء؟ بالطبع لا خاصة مع ممارسة فن الفساد من قبل أغنياء الحرب الذين يتاجرون في لقمة عيش المواطن والمحميين من بعض المتنفذين.
علمنا التاريخ أنه لا يمكن الجمع بين المشكلة والقضية، فالقضية الوطنية والدفاع عن الوطن هي أولوية وأسمى آيات الوجود، لكن حين يقع المجتمع فريسة الفساد ويحرم من أبسط حقوقه الحياتية، يصبح الفرد هائماً تائهاً لإيجاد حلول لمشكلته الكامنة في كيفية تأمين مستلزمات الحياة لأولاده وعائلته، وفي هذه الحالة فإن الالتزام بالقضية الوطنية والتقاط الحلول الناجعة، يتراجع عن الأولوية ويصبح أمراً ثانويا.
هناك مراكز قوى في دولنا، تحول دون إيجاد حلول ناجعة لمجتمعنا، وذلك لاستمرار المنفعة الشخصية والهيمنة على مقدرات الدولة، وهنا يبرز السؤال: ما الذي يمنع المسؤولين في دولنا من اتخاذ خطوات عملية لإيجاد الحلول المطلوبة للمجتمع والتوجه شرقاً للاستفادة من المنفعة المشتركة وكسر الحصار الغربي المفروض علينا، ما الذي يمنع المسؤولين من اتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد والفاسدين وضد أي منفعة شخصية أو حزبية تقع على حساب تفكك المجتمع.
إن مجتمعنا في دول المواجهة، أضحى فريسة الفوضى المتأتية من الفساد، وسنبقى في حال من الضياع والفوضى طالما لم نحسن قراءة واقعنا وتحديد أهدافنا بالاستشراف والدراسات بوضع الخطط الإعلامية والاقتصادية والأمنية الملحة واللازمة لمواجهة هذه الهجمة الصهيونية الخليجية الشرسة، ولسد أي ثغرة قد تسمح للعدو الصهيوني بالتغول أو التأثير على تماسك وصمود مجتمعنا وشعبنا.
نختم بالقول: إذا كان القضاء على آفة الفساد في ظل حرب وجودية أمراً مستحيلاً، فإن باستطاعة المسؤولين ترشيد الفوضى والفساد الحاصل بما يخدم مصلحة بلادنا وأجيالنا رحمة بشعبنا الصامد.