بدأت الحكومة السادسة والثلاثون منذ عام 1949 في الكيان الإسرائيلي في الوصول إلى نقطة النزع الأخير بعد مرور سنة على تشكيلتها الائتلافية المستغربة في طبيعتها وغير المألوفة وأصبحت نهايتها تحمل بموجب الاستنتاج الإسرائيلي ضربة للمشروع الصهيوني.
هي الحكومة الأولى بعد 74 عاماً على النكبة التي يوافق فيها أربعة من أعضاء الكنيست العرب الذين ينتمون لـ«حركة القائمة العربية الموحدة» برئاسة منصور عباس المنشقة عن «القائمة العربية المشتركة» التي كانت توحد كل الأصوات الانتخابية لفلسطينيي الأراضي المحتلة منذ عام 1948، فقد شكلت حركة عباس المنشقة أصلاً عن «الحركة الإسلامية السلفية» في الوسط العربي داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948، طوق النجاة لمجموعة أحزاب إسرائيلية متشددة كان قادتها وأعضاؤها من بقايا انشقاقات أحزاب اليمين لأسباب أكثر تطرفاً، وأصبح تأييدها لحكومتهم الائتلافية أول مشاركة لممثلين عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 في حكومة صهيونية برغم معارضة أغلبية الفلسطينيين وأحزابهم تاريخياً لمثل هذا الموقف، فخرجت عن الإجماع وعن الأغلبية بمشاركتها ودعمها لرئيس حكومة يعد من أشرس شخصيات اليمين الإسرائيلي تشدداً، وقدمت له الغطاء في البرلمان على سياساته التوسعية والقمعية الوحشية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 بل تأييد سياساته الأشد عنصرية ضد فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948.
وصف محللون خارج الكيان الإسرائيلي حكومة نفتالي بينيت زعيم المستوطنين ورئيس مجالسهم الاستيطانية، قبل أن يصبح رئيساً للحكومة بأنها حكومة «أبارتايد» عنصرية ضد الفلسطينيين في أراضي فلسطين عام 1948، وفي الوقت نفسه حكومة احتلال أكثر وحشية وتوسعية في الاستيطان من أي حكومة أخرى، ومع ذلك يرى معظم المحللين في تل أبيب أن هذه الحكومة التي جمعت في ائتلافها الحكومي أحزاباً صغيرة معظمها انشق عن أحزاب اليمين والوسط وقدمت طوق نجاة لها في الكنيست، أصبحت غير قابلة للاستمرار أكثر من هذه السنة التي بقيت فيها حتى الآن، لأن الأزمة أعمق من كل هذه الأحزاب التي لم يستطع فيها اليمين، مع اليمين المتشدد، مع الوسط، الحصول على ما يريد من الأصوات الانتخابية الإسرائيلية التي تتوزع على أحزاب منقسمة عن بعضها بعضاً من دون أن يتمكن أي من الحزبين من الحصول على خمسين أو ستين مقعداً من 120 فيتاح له أو للحزبين، تشكيل حكومة بأغلبية مضمونة من دون انشقاقات.
السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه الدوامة التي تكررت فيها الانتخابات أربع مرات خلال سنتين فقط وها هي الخامسة تطل برأسها، ألا يثبت ذلك أنه من المستحيل إيجاد حل لأسبابها الأساسية وهي «الصهيونية» ومشروعها غير الطبيعي وغير الشرعي، فالصهيونية هي التي أوجدت وابتكرت ما يسمى بـ«الإسرائيلي» أو فلنقل «اليهودي الإسرائيلي» وجعلته يستولي بالاحتلال على أرض شعب آخر وفرض حكمه عليه أو على من بقي من هذا الشعب داخل أراض احتلها عام 1948 وأراض احتلها عام 1967 وطرد منها معظم شعبها، فوجد هذا «الإسرائيلي» نفسه في مواجهة شعب رفض وقاوم هذا الاحتلال وأحبط إمكانية تطويعه وتدجينه من هذا المولود «الإسرائيلي» فوق أرضه مثلما رفض التنازل عن حقوقه وهويته وتاريخه في وطنه.
هكذا بقي هذا الموضوع الأول والحاسم على جدول العمل «الإسرائيلي» طوال 74 عاماً من دون أن تتمكن 36 حكومة من حله كما ترغب وبقي هذا «الإسرائيلي» يجد نفسه أمام هذه الدوامة المعضلة، على حين لا يجد «اليهودي» الذي بقي في الخارج مثل هذه المشكلة أو المعضلة وهو يعيش في مجتمع لا يجد فيه نفسه مجبراً على فرض حكم الاحتلال العسكري أو نظام الأبارتايد العنصري على شعب ما زال منذ عام 1948 يقاوم ويعد نفسه لاستعادة وطنه وحقوقه ويحقق الإنجازات على طريق استعادتها، فها هو المشروع الصهيوني لما يسمى «بالوطن القومي لليهود» يصطدم بعد حروب إسرائيلية كثيرة رافقتها مقاومة من الداخل ومن الجوار العربي الشقيق، ففي داخل الوطن سبعة ملايين من الفلسطينيين ينتشرون على كل أراضي فلسطين ويقاومون بكل الأشكال والقدرات ضد الإسرائيلي المحتل، ويتسببون له بالانقسام والعجز عن تحقيق أهداف المشروع الصهيوني الذي حول الإسرائيليين بعد 74 عاماً إلى السير في أي أرض محتلة في فلسطين يحملون السلاح ويتملكهم الخوف الدائم من صاحب الأرض، وهذا هو الفرق بين اليهودي الذي بقي يهودياً آمناً ومستقراً في الخارج ولم يتحول إلى إسرائيلي يعيش في دوامة العجز عن ضمان أمنه واستقراره في فلسطين المحتلة أمام مقاومة أصحاب الأرض وهو يدرك أن استعادته لصفته كيهودي وتخليه عن صفة الإسرائيلي هي التي تنقذه من هذه الدوامة والمعضلة الملازمة له وستجعله منسجماً مع هويته السابقة في وطنه السابق.
وهذا ما جعل أكثر من مليون ونصف المليون من الإسرائيليين يلجؤون لهذا الحل عن طريق الهجرة العكسية إلى أوطانهم التي جيء بهم منها والحبل على الجرار.