تعلمت من والدي الكثير لكنني لا أعتقد أنني نسخة عنه! … مجيد الخطيب لـ«الوطن»: عملت مع الممثل في مكان أكثر واقعية بعيداً عن الكليشيهات المتعلقة بالدراما
| سارة سلامة
المخرج مجيد الخطيب شغفه أخذه أكثر ليبحث ويفتش عن كل ما يصقل موهبته، اختار وجهته إلى أميركا ليتخصص في دراسة الإخراج، ويعود اليوم ليقدم تجربته الأولى من خلال مسلسل «شرف» الذي نال أصداء واسعة.
يجسد العمل قدرة هذا المخرج الشاب على اختراق المجتمع بنص مهم يحيك قصته من أوجاع الناس وما تعانيه الفتيات في مجتمع ذكوري لا مكان فيه للعدالة، فقد اشتغل على الممثل ليكون أكثر واقعية وابتعد عن المتبع في الدراما.
بكاميرته المتحركة التي تتناسب مع طبيعة المنصات تحدث عن المجتمع ونقل الضجيج حول العادات والتقاليد والأحكام المسبقة.
• نتحدث بداية عن تأثير الأسرة إن كان أدبياً أو فنياً؟
أحب أن أبتعد عن العائلة قليلاً وخاصة أنني سُئلت كثيراً عن ذلك، لأن هناك نظرة عامة وستبقى الناس مهما عملت تراني ابن باسل الخطيب.
لذلك أعمل على الابتعاد عن ذلك وإثبات أني إنسان خاص لي كينونتي وشخصيتي المستقلة.
• وإذا ما عدنا للبدايات ودخولك هذا الوسط هل هو شغف منك أم تشجيع من الأهل؟
بالتأكيد هو شغف خاص لكن تم التقاطه من الأهل ومن أبي بشكل خاص، ومن أكثر الأعمال التي ما زالت عالقة في ذهني: وأراها بشكل دائم إلى العام 1997، واسمه «هوى بحري»، وهو من أكثر تجارب الدراما السورية التي أراها خاصة وليس لها شبيه.
• هل ممكن أن نراك ممثلاً بعد تجربتك في عمر مبكر؟
لا أرى نفسي بالتمثيل، هي كانت تجربة فقط ولم أصقل أدواتي فيما بعد، مكاني الكتابة والإخراج.
• نتحدث عن دراستك للإخراج في أميركا ماذا أضافت لك الدراسة الأكاديمية؟
تقنياً فهمت كيف تجري الأفلام من الداخل، علمتني بأن ارتكاب الأخطاء رفاهية، لأن الدراسة لم تكن فقط لتطوير الناحية التعليمية والتثقيفية إنما كانت ترتكز على الجانب التجريبي، ذلك يحتاج إلى فضول ومتابعة.
وكلما سمحنا لأنفسنا بالخطأ في أيام الدراسة كلما صقلت تجربتنا وقويت أدواتنا، علما أن الأخطاء مسموح ارتكابها تحت مظلة الأكاديمية ولكن غير مسموح بها في العالم الاحترافي، من هنا أتت أهمية الدراسة وفي أميركا بالذات لأنها أكثر بلد يشهد صناعة أفلام متنوعة.
• بما أنك درست وشاهدت التطور والتقنيات في أميركا ما أبرز المعوقات التي تحد بينك وبين تحقيق هدفك؟
كمثال ممكن أن أتحدث عن مستوى مدارس إدارة الممثل، حيث إنني استطعت أن آخد الممثل إلى مكان أهدأ قليلاً فيه واقعية أكثر بالأداء، وربما كان بعيداً عن بعض الكليشيهات التي لها علاقة بالدراما.
وممكن أن أكون نحجت أو في بعض الأحيان كررت الشيء الذي أحاول الابتعاد عنه ولكن مع الوقت أتلافى ذلك.
أما على المستوى التقني الذي له علاقة بكاميرات وعدسات وإضاءة فنحن في سورية مازلنا في بيئة ضحلة، ولسنا مواكبين للتطور التقني لا على مستوى الموسيقا ولا العمليات الفنية التي لها علاقة بالمونتاج ونحن متأخرون ليس فقط عن أميركا بل عن جيراننا المحيطين.
• من وجهة نظرك كيف ترى مستوى الدراما السورية بعد الحرب؟
بشكل عام فإن دول ما بعد الحرب إما أن تصعد بشكل حاد كما حال اليابان وألمانيا، أو تسقط سقوطاً حراً مثل سورية على كل المستويات أولها المستوى الفكري والثقافي.
والمنتج السوري لا توجد لديه ذهنية احترافية ليخدم مشروعه، كما أنه ليس لدينا منتجون أصحاب مشروع وهذه كارثة.
• إذا أردنا أن نتكلم عن «شرف» الذي هو العمل الأول لك من كتابة والدتك الكاتبة ديانا جبور ماذا كنت تخشى؟
كنت أخشى أن أظلم الورق لأني قرأت مادة جديدة وجميلة وفيها مجال خصب جداً للعمل على تفاصيل بين السطور، المادة فيها حس بصري عالٍ من الورق وهي تقدم نفسها بطريقة سينمائية، وفيها شخصيات جديدة إضافة إلى أن بطلة العمل متقلبة المزاج بين الجيد والسيئ، بين الإيثار والأنانية، فكان بين يدي مادة مهمة كتجربة أولى.
• كيف كانت تجري الأمور وهل كنت مطمئناً فيما بعد؟
لم أطمئن لغاية انتهاء الحلقة الأخيرة ولم يكن اطمئناناً مطلقاً؛ لأنني كنت أبحث دائماً عن الأفضل، لذلك لم يفارقني القلق منذ بداية العمل إلى نهايته.
• الغوص في موضوعات شائكة ألم يحملك مسؤولية؟
بداية لم يكن هناك قلق من الموضوع بل كنت أشعر أني أقدم مادة موضوعها مستفز، والعمل يحتوي عناصر تجعله يجرح ويداوي في الوقت نفسه.
إذاً لم يكن الهدف هو تنفير الناس من موضوع شائك بل كنا نحاول أن نقدم مشروعاً للمجتمع.
• هل ممكن أن يقلب العمل الموازين ويغير في القانون؟
يمكن أن يحدث ذلك في مجتمع أكثر استقراراً، الناس هنا في حالة خدر، كأنهم تناولوا جميعاً حبة ترامادول في الوقت نفسه، أعتذر عن هذا التشبيه، إلا أن الواقع صعب للغاية، وفي بلد يعاني ما يعانيه، صعب عمل واحد أن يصنع التغيير، ربما حدث ذلك سابقاً مع أمل عرفة وتم تعديل قانون متعلق بالحضانة إلا أن الظرف اليوم اختلف.
ويرضيني الآن أن تتغير المواقف وأن يتعاطى معها الجميع بسعة صدر وحكمة وإنسانية ولو أكثر بقليل مما سيفعلونه قبل مشاهدة العمل.
• نرى أن أسلوبك مختلف عن والدك هل تقصدت هذا الشيء؟
لا أظن أن الاختلاف حدث بقرار واعٍ وأنا لست بعيداً عن والدي بغرض «خالف تعرف» لكن في الإخراج نرى الأمور المتعلقة بالحياة بطريقة مختلفة.
بالتأكيد استفدت من والدي وتعلمت منه الكثير لكن لا أعتقد أني نسخة عنه.
• رأينا في العمل عدم ثبات للصورة ماذا كان يؤدي ذلك للقصة؟
يوجد بالدراما مسلسلات قائمة على اللقطات الثابتة وهناك توجه جديد في المنصات إلى حركة الكاميرا طوال الوقت.
ومن يفرض ذلك هو طبيعة المشهد وإحساسه فهناك مشاهد تقول أنا متحركة فنتبع إحساس المشهد أكثر من أن يكون هناك تفسير منطقي واضح وقادر على قوله في كل حالة.
• يعني تحريك الكاميرا هنا حسب الكلام وليس حسب رؤية إخراجية أو فانتازيا إخراجية؟
هي رؤية إخراجية وهناك شعرة بين الفانتازيا والرؤية الإخراجية.
• نتحدث عن جيلكم الشاب وكم بإمكانكم أن تسهموا في نهضة الدراما السورية؟
لا أعتقد أن جيل المخرجين الشباب قادر على قلب المعادلة بالكامل، لأننا نحتاج إلى جيل من الكتاب والمخرجين والممثلين الجدد، وحقيقة أجلس دائماً مع ممثلين جدد وأتفاجأ بفطرية عالية، من الصبايا اللواتي عملن معي بـ«شرف» مثل دجانا عيسى ومرح حجاز وتوليب حمودة، أشعر أن لديهن فهماً عميقاً للأمور ويتمتعن بحساسية عالية.
• ممكن أن يقدموا تغييراً على مستوى الإبداع؟
إذا لم تكن بيدهم فهي ليست بيد غيرهم.
• هل عانيت من موضوع الرقابة وهل هذا يحد من طموحاتك كمخرج؟
أرى أن الرقابة عدو الشعب رقم واحد وهناك معارك طاحنة حصلت في الكواليس حتى يبصر «شرف» النور.
وفي ظل الظروف الحالية زادت الرقابة وأصبحت تأخذ في حساباتها كل ما يجري على الأرض.
• أبرز كلمة نقد سمعتها عن العمل؟
هناك تفصيل في حلقتين أو ثلاث يخص الإيقاع لأنه من الممكن أن يكون متماسكاً بشكل أكبر.
وأرى أن ظرف العمل ظلمني قليلاً فهناك مشاهد على مستوى إدارة الممثل كان من الممكن أن تشتغل بطريقة مختلفة.
• العمل عرض على المنصة، برأيك لو أنه عرض على شاشة التلفزيون لكان أخذ حقه أكثر؟
لا أتمنى أن يعرض في القنوات المحلية في سورية لأن الرقابة ستأتي وتعمل جولة ثانية على العمل، إضافة إلى أن التلفزيون السوري لليوم يعرض بأسلوب بدائي بتقنية 144 أو 240 بكسل.
• ما تحضيراتك الجديدة؟
أحب أن أركز قليلاً على السينما وأن أشغل نفسي فيها بالفترة القادمة، وهناك فكرة لفيلم قصير.
• الفيلم القصير لا أحد يراه إلا في المهرجانات لماذا لا تعمل فيلماً طويلاً؟
يجب أن يكون لدي خبرة أكثر في الحياة قبل الدخول في تجربة الفيلم الطويل.
• ألن نراك بمسلسل ثلاثيني؟
ذلك ممكن إذا توافرت في العمل شروط التكثيف، وإذا كان هناك ورق يجعل كل حلقة تتمتع بإحساس الفيلم الذي يمكن أن نحققه بالعشارية، من بداية ومنتصف ونهاية، وتنتهي بمكان تقول فيه ماذا سيحدث الآن، هذه المعادلة صعب تحقيقها في مسلسل من 30 حلقة، وصعب أن يخلو العمل الثلاثيني من اللغو والحشو.