لا نعلم ما قصة أصحاب القرار معنا نحن ذوو الدخل المحدود؟ هل آذيناهم دون أن نعلم؟ هل نأخذ حصتهم من أمر ما دون انتباه؟ هل نزعجهم بوجودنا؟ هل يتقصّدون إهانتنا؟
الجميع يتحدث باسم ذوي الدخل المحدود، والمضحك المبكي، أن ازدياد هذه الأحاديث يتناسب طرداً مع ازدياد محدودية دخولنا، لكن الأبشع، هو هذا الاستخفاف بعقولنا، عبر إيهامنا بـ«حلول»، يستطيع طفل في المرحلة الابتدائية كشف عدم جدواها.
إن كنت في بلد معاقب، لا تستطيع مؤسساته الرسمية – وفق وزير المالية – استثمار عائداتها بسبب العقوبات وتبدلات سعر الصرف وعقبات أخرى، فما الذي على الدولة فعله؟ وخاصة أنها ترفع شعار الإنتاج؟
ببساطة، تستطيع تطبيق أحد الحلول التي أثبتت نجاحها في كثير من الدول مهما كان شكل الاقتصاد فيها، وهو زيادة عدد المشاريع الصغيرة، ودعمها ودعم من يريد القيام بها، وبذلك، تدعم اقتصادها من جهة، وتشجع الفئات الأضعف على الإنتاج الذي سيساعدهم على التكفل بأمورهم المعيشية الصعبة وتخفيف الحِمل عن مؤسسات هذه الدولة من جهة ثانية، وهذا الحل قائم – غالباً – على إمكانية الإقراض.
لكن، كيفما فكرنا بمعادلة المصارف وخدمات الإقراض، لن نصل إلى نتيجة منطقية، فالأمر يبدو وكأنه لعبة «مونوبولي»، لا النقود، ولا الأملاك التي تشتريها بها حقيقية، والحقيقة الوحيدة هي أنك ستتمنى – حين تسمع عن القروض – ذات الأمنية التي تتمناها وأنت تلعب الـ«مونوبولي»: يا ليت تلك النقود حقيقية.
فائض السيولة في المصارف الحكومية السورية، وعلى لسان القائمين عليها وليس تكهنات من الخارج، تجاوز 3 تريليونات ليرة منذ حوالي السنتين، أي أكثر من ثلاثة آلاف مليار ليرة، فلماذا وكيف تكدست هذه الأموال في خزائن المصارف؟
الجواب ببساطة مرة أخرى، هو أن المصارف تقوم بطرح حزمة من القروض الشخصية والسكنية وغيرها تحت مسمى «دعم ذوي الدخل المحدود»، لكن بطريقة وشروط تضمن بقاء هذه الأموال في المصارف، أو يحدث أن يستفيد منها الذين لا يحتاجون للقروض أساساً (التجار)، وإنما يحصلون عليها من باب العمل بأموال غيرهم.
الغريب، هو أن من يصوغ شروط استيفاء القروض وحجم فوائدها لا يقيم في قارة بعيدة، ولا يصوغها بناء على أجور ومعاشات دول أخرى، بل هو هنا في سورية، ويعرف أجور «ذوي الدخل المحدود» في سورية بدقة شديدة، لأنها موطّنة لديه في أحد مصارفه، فعلى أي أساس يكون القسط الشهري لقرض شخصي بسيط جداً بمقاييس أسعار وأعمال اليوم، والذي يجب ألا يتجاوز 40 بالمئة من حجم الأجر الشهري للمستفيد من القرض، 235 ألف ليرة؟ هل في سورية أجر رسمي شهري لأحد ذوي الدخل المحدود يصل إلى أكثر من 580 ألف ليرة؟ ناهيك عن حجم الفوائد التي تدفع من يفكر بالاستفادة من القرض في كثير من الأحيان إلى التخلي عن الفكرة كلياً!
وكي لا نغفل بعض الحلول التي طرحت، طلب أحد المصارف أن «يأتي المقترض الذي لا يكفي راتبه للحصول على كامل القرض، بكفلاء تساوي مجموع رواتبهم مجتمعين قيمة القسط الشهري، علماً أن المصرف ملتزم باحتساب النسبة المقررة بالقانون وهي 40 بالمئة من الراتب».
لكن هذا ليس حلاً، هذا مشكلة جديدة، فالكل يعلم صعوبة تأمين الكفلاء للقروض، وخاصة في مثل هذه المرحلة، وبهذه الحالة، سيزداد فائض السيولة في المصارف، وسيبقى وضع ذوي الدخل المحدود كما هو.
قطاع رسمي آخر، طرح حلاً لمشكلة السكن التي يعاني منها الأغلبية، وذلك عبر إنشاء مساكن لذوي الدخل المحدود، فتفاءلنا، لكن بعد الاطلاع على التفاصيل، تبين أن سعر الشقة بمساحة 80 متراً، فقط 68 مليون ليرة، ودفعتها الأولى – فقط – 17 مليون ليرة، أما الشقة بمساحة 150 متراً، فسعرها النهائي 127500 مليون ليرة فقط، بدفعة أولى قيمتها حوالي 32 مليون ليرة فقط، وطبعاً القسط لكلا المسكنين، بمئات الآلاف شهرياً.. فقط!
هناك طرفة قديمة تروى في كل المحافظات السورية، تنطبق تماماً على حلول دعم ذوي الدخل المحدود، يُقال: إن بخيلاً زار دار أخيه خالي اليدين كعادته، وقال له: كنت سأشتري برتقالاً للأولاد، فقال له أخوه، لا داعي لذلك، فقال له: لا والله.. والله ليقشروا!