لأن جميع الأحزاب الإسرائيلية من كتلة المعارضة أو من الكتلة الحاكمة، لا تختلف فيما بينها في الأهداف وطرق تحقيقها ضد الفلسطينيين وبقية دول المنطقة، لم تجد أحزاب المعارضة بعد فوز كتلة بنيامين نتنياهو بأغلبية 64 عضواً من 120 عضواً هم مجموع أعضاء البرلمان – الكنيست، سببا تستخدمه في محاولة إسقاط حكومته سوى موضوع داخلي يتعلق بطبيعة قوانين القضاء التي سعى إلى فرضها بأغلبية برلمانية، وهي قوانين عامة للنظام الداخلي ويستفيد منها كل من يتمكن من تشكيل حكومة وليس حكومة نتنياهو وحدها فقط. ولأن المعارضة لم تستطع إقناع أعضاء أي حزب من أحزاب كتلة الحكومة بالانضمام لها لحرمان نتنياهو من الأغلبية البرلمانية، لم تجد سوى خيار اللجوء للشارع وتجنيد الأنصار للاحتجاج والضغط بهدف شق حزب ما وانسحاب أعضاء منه لمصلحتها حتى لو تطلب الأمر رشوة من ينشق بتعيينه وزيراً في حكومة تشكلها المعارضة.
هذا هو ما تشير إليه أهداف وقواعد الانشقاقات وسجلاتها في الماضي والحاضر، وهو ما فعله وزير الدفاع الأسبق موشيه دايان حين انشق عن حزب العمل الذي كان من المؤسسين له مع ديفيد بن غوريون وانضم لحزب الليكود مقابل تعيينه وزيراً للخارجية، وهو ما فعله شمعون بيريس نفسه زميل دايان وبن غوريون عام 2005 وكان رئيسا لحزب العمل حين انشق وانضم لحزب أريئيل شارون، والأمثلة كثيرة لكن السؤال الذي يطرحه الوضع الراهن في إسرائيل والمنطقة وجدول عمل حكومة نتنياهو هو: ماذا تستطيع أن تفعله كل أحزاب الكيان الإسرائيلي حتى لو توحدت في كتلة واحة وتقاسمت امتيازات الحكومة؟
لقد اثبت تاريخ السنوات الأربع الماضية التي جرت فيها أربع عمليات انتخابية برلمانية طارئة مسبقة شكلت فيها أحزاب المعارضة حكومتين بأغلبية لم تصل إلى 61 مقعداً بل مجرد 59 من دون أن يتمكن نتنياهو وحزبه من الحصول على أغلبية لإسقاطها إلا في نهاية عام 2022 حين فاز مع أحزاب كتلته بـ64 مقعداً، وهو على غرار الحكومات السابقة ما زال يحاول التغلب على التحديات السياسية والمصيرية نفسها التي واجهتها تلك الحكومات ولم تستطع حلها أو تخفيض مضاعفاتها على الجيش والمستوطنين بل على مستقبل وجود الكيان الإسرائيلي.
المعلومات التي تضطر إلى نشرها الإحصاءات الرسمية والدراسات البحثية في تل أبيب تشير إلى التراجع الكبير في تحقيق عدد من الأهداف الرئيسة والإستراتيجية التي وضعتها الحكومات الإسرائيلية خلال السنوات الخمس الماضية وأهمها:
1- هجرة اليهود من الخارج إلى الكيان التي أصبحت شبه معدومة ولا تحمل سوى أدنى الأرقام، علماً أن معظم المهاجرين القادمين هم من المسنين وهذا يجعل الجيش يفقد المهاجرين الشباب لتعزيز قوته البشرية المسلحة.
ولم يعد وجود الوحدات السكنية الاستيطانية المجانية في الأراضي المحتلة يغري الشباب لأنهم يرون ما تقوم به انتفاضة الفلسطينيين المسلحة ضد المستوطنين، وأصبح المجيء إلى الكيان يشبه الوصول إلى ميدان حرب في هذه الظروف.
2- تزايد نسبة الذين ينفذون هجرة عكسية من الكيان ويعودون إلى أوطانهم التي جيء بهم منها بسبب تدهور الحماية الأمنية وضبابية المستقبل بعد أن أصبح عدد الفلسطينيين داخل كل أراضي فلسطين المحتلة من رأس الناقورة حتى قطاع غزة سبعة ملايين ينتشرون في معظم المناطق.
3- العجز الأميركي في إدارة منطقة الشرق الأوسط بما يؤمن ويضمن أمن الكيان الإسرائيلي بعد مرور سنة على الحرب الأميركية- الغربية، وعجزها عن تحقيق أهدافها ومضاعفات هذا العجز على الكيان وضيق هامش مناورته على الساحة الإقليمية.
4- الزلزال الذي أصاب إسرائيل في العاشر من آذار الجاري على يد الصين التي رعت وعملت على توقيع الرياض وطهران على اتفاق تفاهم سيغير وجه المنطقة كلها إقليمياً وعالمياً، فإسرائيل ترى أنها تلقت ضربة صادمة لم تتوقعها هي وحليفتها الأميركية من هذا الاتفاق، إلى حد جعل بعض المحللين في الولايات المتحدة يصفه «بأكبر تحول إقليمي عالمي مفاجئ تشهده المنطقة لإلحاق الضرر بواشنطن وتل أبيب».
5- زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو في أعقاب هذا الاتفاق وما ستحمله من نتائج إيجابية على مصالح الشعبين السوري والروسي من دون أن يكون بمقدور واشنطن وتل أبيب إيقاف عجلة التطور التي ستفرضها هذه القمة الروسية- السورية على مستويات عسكرية واقتصادية لمصلحة سورية في الوقت الحاضر والسنوات المقبلة.
ولما سبق، يتوقع المحللون في إسرائيل أن تحمل السنوات الخمس المقبلة المزيد من الأزمات لواشنطن وبالتالي لإسرائيل طالما أن عاصمتين لدولتين كبريين هما موسكو وبكين ستعززان قدرات حليفين لهما في المنطقة وهما إيران وسورية، وهذه التحولات جرت في أقل من أسبوع وغيرت وجه المنطقة.