من طبيعة الكائن البشري أنه يحتفل بكل ما هو نادر، ولهذا السبب ربما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 تموز 2012، اعتبار يوم 20 آذار يوماً عالمياً للسعادة اعترافاً منها بـ«أهمية السعادة والرفاهية بوصفهما قيمتين عالميتين». ولهذه المناسبة تصدر شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع عدد من المؤسسات العالمية تقريراً سنوياً عن السعادة في دول العالم، في ضوء «متوسط تقييمات الحياة فيها على مدى السنوات الثلاث السابقة». يُجري التقييم خبراء في مجالات عديدة وفق مجموعة معايير، منها نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط العمر والحرية وسخاء الدولة على مواطنيها، كما يتضمن الدعم الاجتماعي وغياب الفساد في الحكومات والأعمال.
غطى تقرير العام الحالي 137 دولة من مختلف القارات، شملت ثلاث عشرة دولة عربية، في حين تركت تسع دول عربية خارج التصنيف وعلى رأسها بلدنا الحبيب.
للعام السادس على التوالي، تصدّرت فنلندا قائمة أسعد دول العالم، تلتها الدنمارك وأيسلندا، فيما حلت هولندا في المرتبة الخامسة، بعد الكيان السرطان (إسرائيل)! أما الدّول العربيّة فقد تصدّرت الإمارات العربية المتحدة القائمة، مع احتلالها المرتبة الـ26 عالمياً. وللعام الثالث على التوالي حافظ لبنان على تصنيفه كثاني أقل دولة سعادة في العالم بعد أفغانستان!
أحسب أن تعريفات السعادة لا تقل عدداً عن البشر على سطح هذا الكوكب، بل إن كل فرد منا قد تكون له تعريفات مختلفة ومتباينة تباين ظروفه الشخصية وحالاته النفسية. غير أني أود أن تستعرضوا معي تعريفات عدد من المفكرين لزهرة السعادة التي نادراً ما تتفتح في قلوب وعقول البشر، علنا نرى مدى دقة ما جاء في تقرير الأمم المتحدة عن أصحاب السعادة وأصحاب التعاسة.
يرى أرسطو أن: «السعادة هي ثواب الفضيلة… هي معنى وهدف وغاية الحياة». ويقرر أفلاطون أن: «السعادة هي معرفة الخير والشر»، ويرى سقراط أن: «السعادة هي اللذة من دون ندم». كما يرى ليف تولستوي أن: «السعادة تكمن في قدرتك على حب الآخرين». ويجاريه المهاتما غاندي من خلال قوله: «السعادة تتوقف على ما تستطيع إعطاءه، لا على ما تستطيع الحصول عليه». أما اليوناني مبدع زوربا نيكوس كازانتزاكيس فيرى أن «السعادة هي أن تؤدي واجبك، وكلّما كان الواجب أصعب، كانت السعادة أعظم». الأديب الألماني هيرمان هيسه يرى أن: «السعادة هي الحب، لا شيء غير ذلك». والأديب العربي نجيب محفوظ يرى أن «أقصى درجات السعادة هو أن نجد من يحبنا فعلاً، يحبنا على ما نحن عليه… أو بمعنى أدق يحبنا رغم ما نحن عليه». الفيلسوف الصيني كونفوشيوس يقول: «كثيرون يبحثون عن السعادة فيما هو أعلى من الإنسان، وآخرون فيما هو أوطى منه. لكن السعادة بطول قامة الإنسان».
في عام 1988 سافرت إلى فنلندا بدعوة من وزارة خارجيتها وقد كتبت عن رحلتي تلك سلسلة مقالات بعنوان «رحلة إلى سقف العالم».
لاشك بأن دخل الفرد في فنلندا هو من الأعلى عالمياً، لكن المجتمع متوقف عن النمو تقريباً، فخلال خمسة وثلاثين عاماً لم يطرأ تغيير يذكر على عدد السكان. ومن الحقائق الصادمة التي مازلت أذكرها هي أن نسبة الانتحار في فنلندا كانت آنذاك هي أعلى نسبة في العالم!
أومن عميقاً بأن أبواب السعادة لا تفتح إلا من الداخل، وأنا أتفق مع المفكر ستورم جيمسون إذ يقول: «من السخف القول إن زيادة الرفاهية تعني السعادة، فالسعادة تأتي من القدرة على الإحساس بعمق، والتمتع ببساطة، والشعور بأن الآخرين يحبونك ويحتاجون إليك».