سياسة الحروب السعودية الفاشلة ومضاعفاتها الفادحة على شعبها
| تحسين الحلبي
يلاحظ الجميع أن السياسة السعودية بدأت تتحول إلى المبادأة العلنية بالهجوم في أكثر من ساحة وفي أشكال مباشرة عسكرية وغير مباشرة بعد أن مالت في العقود الماضية إلى اتباع السرية والغموض في مواقفها تجاه الخصوم أو الأعداء أو الأصدقاء. ويبدو تماماً أن المنطقة تشهد الآن مرحلة جديدة في طريقة تعامل السعودية مع الدول الشقيقة أو الصديقة بل مع بعض الحلفاء إلى جعل البعض يعتقد بأن واشنطن فضلت أن يفلت زمام المبادرات الهجومية السعودية على المستوى التكتيكي طالما أن هذه المبادرات لا تحمل أي ضرر للمصالح الاستراتيجية الأميركية في المدى المنظور.
وحول مستقبل هذه السياسة السعودية يرى (جون داونز) في تحليل نشره في موقع (التعليق الاقتصادي) (ايكونوميك كومنتري) الإلكتروني أن تطور السياسة السعودية منذ استلام (الملك سلمان) الحكم بدأ يدل على شعور العائلة المالكة السعودية بالعزلة في أعقاب اتفاق الدول الست مع إيران وانكفاء جدول العمل الأميركي الهجومي العسكري عليها وفتح صفحة علاقات أوروبية حارة تجاه طهران اقتصادياً وتكنولوجياً.
فقد وجد الملك سلمان نفسه في قلب ظروف صعبة بعد أن زاد من عدد الأطراف التي أعلن العداء العلني لها فعلى حدوده في الخليج أصبح العراق وإيران جزءاً من الأعداء ودون أن تقابله العراق وإيران بالعداء نفسه ثم وجد أن إعلان الحرب الشاملة على اليمن لم يتسبب إلا بالمزيد من العزلة الدولية دون أن يحقق أي هدف من أهدافه في اليمن وبالمقابل وجد أن حلفاء سورية الإقليميين والدوليين بدؤوا يشكلون عقبات كأداء أمام أهدافه العدائية العلنية ضد سورية..
وازدادت هذه المصائب بعد أن غررت واشنطن بالسعودية وفرضت عليها تخفيض أسعار النفط بهدف حرمان روسيا من جزء من أرباحها من النفط فقد خسرت السعودية ما يقرب من 65% من أرباح النفط بسبب هذا التخفيض الذي ترافق مع النفقات الباهظة للحرب ضد اليمن ولرشوة عدد من الدول العربية وضمها إلى ثلاثة أحلاف سعودية لم تقدم ولم تؤخر.. فالسعودية لم تكن بحاجة إلى إعلان تحالف عربي- إسلامي ضد اليمن طالما أنها قادرة على تسخير الجامعة العربية ومعظم دولها كإطار تحالف موجود وجاهز للموافقة على حروبها وتدخلها.. فهذا ما فعلته هي وقطر حين سخرت الجامعة العربية لمحاصرة سورية والتدخل العسكري في شؤونها.. أما الحلف الإسلامي الذي قيل إنه يضم (34) دولة فإن نصف دوله إسلامية لا تزيد ميزانيتها العسكرية عن (20) إلى (50) مليون دولار في أفضل الأحوال ومن بينها (بينين) و(ساحل العاج) وموريشيوس وجزر القمر والكاميرون؟
ولذلك يرى المحللون أن السعودية تمارس السياسة مثل لاعب القمار الذي يحاول جمع لاعبين على الطاولة ومنحهم نقوداً لكي يلعبوا معه لإرضاء شعوره بالربح وبالثراء أو بالأهمية بين لاعبين فقراء صغار وهذا ما يزيد من تبذير ثروة السعودية النفطية ويضعها أمام استحقاقات بدأت معالمها تظهر مع بداية هذا العام.
أما التوقيت الذي اختارته السعودية لتصعيد الحملة العدائية على إيران واستقطاب أكبر عدد من الدول ضدها فقد لاحظ الجميع أنه ترافق مع بداية العد التنازلي لسيطرة مجموعات داعش وأمثالها في كل من سورية والعراق وكانت السعودية تهدف من خلال هذا التوقيت إلى تحويل الانتباه عن داعش والإعلان عن حرب بين (السنة والشيعة) يمكن من خلالها توظيف داعش نفسها في هذه الحرب طالما أنها أعلنت عن هذه الحرب شقيقتها (القاعدة) منذ زمن ونفذتها في العراق قبل ظهور داعش.
لكن هذه المحاولة لم تجد ولن تجدي لأن أوروبا ستنتقل بعد أسبوعين إلى تطبيع علاقاتها مع طهران وسينطلق قطار مفاوضات جنيف في 25 من الشهر الجاري بين الحكومة السورية والمعارضة غير التكفيرية الإرهابية وستجد السعودية نفسها خلال الأسابيع المقبلة في عزلة أخرى تحرق فيها أموال النفط التي كان يتعين توظيفها من أجل مصلحة شعبها وتطوير قدراته العلمية والصناعية أمام مستقبل مظلم لسعر برميل النفط الذي بذرت أمواله على حروب بلا جدوى؟!