أعتقد أن الصراع هو أوضح وأقوى دليل على استمرارية الحياة، ولعل أكثر جبهات الصراع اشتعالاً في العالم الآن، هي جبهة صحافة المواطن ومواقع التواصل الاجتماعي. صحيح أن القوى التي هيمنت على عالم ما قبل الثورة الرقمية تحاول بضراوة فرض قيمها ووجهة نظرها على الإعلام الجديد من خلال تطوير خوارزميات الرقابة والنشر الإلكتروني التي تضع السدود في وجه المعلومات التي لا تناسبها، وتسهل انتشار المعلومات التي تخدم غاياتها، لكن هذه اللعبة لم تنطل على رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لذا نشهد حالياً انتشار طرق التفاف لا حصر لها على تلك الخوارزميات، من خلال تقطيع الكلمات، والمجاز اللفظي، واستخدام أرقام ورموز بديلاً لبعض الحروف… الخ.
تؤكد الوقائع عجز الصهاينة والمتصهينين عن السيطرة على ما يُنشر في وسائل الإعلام ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي، رغم امتلاكهم لمعظم تلك الوسائل.
يوم الأحد الماضي قام الطيار الأميركي آرون بوشنل ببث آخر حديث له مباشرة عبر الإنترنت. قال وهو يتجه نحو مبنى سفارة الكيان السرطان في العاصمة الأميركية: «اسمي آرون بوشنيل أنا عضو عامل في سلاح الجو الأميركي ولن أكون شريكا بعد الآن في الإبادة الجماعية».
أنا على وشك القيام بعمل احتجاجي قد يكون متطرفاً، ولكنه ليس كذلك إذا ما قورن بما يعانيه الشعب في فلسطين على أيدي من يستعمرون بلاده. هذا ما قررت طبقتنا الحاكمة أنه طبيعي. «وعند هذا الحد سكب النفط على جسده وأضرم النار بنفسه وهو يصرخ: «الحرية لفلسطين». ويوم الخميس الماضي قام حشد من الجنود الأميركيين السابقين بحرق زيهم العسكري تكريماً للجندي آرون بوشنل في تظاهرة احتجاجية في مدينة بورتلاند، دعماً لفلسطين وتضامناً مع غزة.
وقبل أيام خرجت مصممة الأزياء كاثرين هامنيت من بيتها حاملة بيدها وسام الإمبراطورية الذي منحته لها الملكة إليزابيث، وعندما وصلت إلى حاوية القمامة قالت: أشعر بالقرف لكوني بريطانية، بسبب دورنا في الإبادة الجماعية في غزة. ثم فتحت حاوية الزبالة وقالت: «هذا وسام الإمبراطورية ألقي به في حاوية النفايات مع رئيس الوزراء سوناك ورئيس المعارضة كير ستارمر».
وقبل ذلك بيوم واحد نشر توماس فريدمان مقالاً افتتاحياً في جريدة «نيويورك تايمز» بعنوان: «إسرائيل تخسر على ثلاث جبهات في وقت واحد». ولكي ندرك الأبعاد الكاملة لهذا العنوان يجب أن نعلم أن فريدمان هو أحد أبرز الكتاب اليهود الموالين للكيان السرطان في تاريخ أميركا المعاصر، فقد فاز فريدمان بجائزة بوليتزر عام 1982 على تغطيته لمجزرة صبرا وشاتيلا. وفي عام 1988 حصل على جائزة بوليتزر الثانية على تغطيته للانتفاضة الفلسطينية الأولى، وفي عام 2002 فاز بجائزة بوليتزر الثالثة على مقالاته حول الشؤون الخارجية التي يكتبها في الصفحة الأولى من جريدة نيويورك تايمز. كما حصل على جائزة نادي الصحافة لما وراء البحار عام 2004 للإنجاز مدى الحياة، وفي العام نفسه حصل على وسام الإمبراطورية البريطانية من الملكة إليزابيث الثانية.
صحيح أنه ثمة مؤشرات قوية على أن الرأي العام العالمي يتغير لمصلحة القضية الفلسطينية، لكن الفضل الأول والأخير في ذلك يرجع للمقاومة البطولية التي يبديها أهلنا الشجعان في غزة منذ مئة وخمسين يوماً، فقد أثبت الرأي العام العالمي طوال عقود أنه بمفرده لا يساوي قشرة بصلة، وما على الرخويات السياسية إلا أن تدرك أننا نعيش في عالم لادين له سوى القوة والغلبة!