سورية

جبهة النصرة عقبة في وجه اتفاق تخفيف التصعيد

| عبد الله علي

يواجه تطبيق اتفاق «تخفيف التصعيد» الذي وقّع في أستانا، الأربعاء، جملةٌ من الصعوبات التي لا يبدو أن الظروف قد نضجت بعد لتذليلها، وعلى رأسها موضوع «جبهة النصرة» وكيفية عزلها عن «الفصائل المعتدلة» تمهيداً لمحاربتها. وما يعزز من هذه الصعوبات موقف «وفد الفصائل» الذي بدا واضحاً أنه وجد في التصويب على إيران تكتيكاً ناجعاً للتهرب من التزاماته. هذا فضلاً عن الثغرات التي تحفل بها بنود الاتفاق وتجعل من تطبيقه أمراً شبه مستحيل.
ويقوم جوهر اتفاق «تخفيف التصعيد» على أمرين أساسيين كما هو واضح من بنوده: الأول هو إقامة أربع مناطق لتخفيف التصعيد تكون مشمولة بحظر الطيران فوقها إلا بشروط معينة، والغاية منها إنسانية بحتة. والثاني هو متابعة القتال ضد «جبهة النصرة» و«داعش» وكافة التنظيمات الإرهابية الأخرى سواء داخل مناطق «تخفيف التصعيد» أو خارجها. وينص الاتفاق بهذا الخصوص على أنه «يتخذ الضامنون (روسيا إيران وتركيا) خطوات لإتمام إعداد خرائط مناطق تخفيف التصعيد والمناطق الأمنية والفصل بين الفصائل المسلحة والجماعات الإرهابية بحلول 4 حزيران».
ولن يكون للاتفاق أي معنى إلا من خلال تكامل هذين الهدفين، وإلا فسيتحول إلى هدية مجانية للتنظيمات المدرجة على قوائم الإرهاب وأهمها في هذا السياق «جبهة النصرة»، لأنه سيجعل من المناطق التي تسيطر عليها مناطق آمنة وبالتالي مساعدتها على تشكيل بيئة مناسبة لنموها وازدهارها.
ولطالما شكّل العزل بين «جبهة النصرة» و«الفصائل المعتدلة» هدفاً للسياسة الروسية خصوصاً بعدما أدركت أن الولايات المتحدة والدول الغربية تتخذ من التداخل بين مناطق انتشار الاثنين ذريعةً لمنع أي عمل عسكري حاسم ضد الإرهاب.
وكان أحد المقررات الهامة التي تمخض عنها اجتماع أستانا 2 في يناير الماضي هو «تأكيد الوفود المشاركة على إصرارها على القتال مجتمعين ضد تنظيمي «داعش» و«النصرة» وعلى فصلهم عن التنظيمات المسلحة المعارضة». الأمر الذي دفع بـ«جبهة النصرة» إلى إطلاق حملة عسكرية ضد الفصائل التي شاركت في هذا الاجتماع لمعاقبتها على القبول بهذا القرار.
ومنذ ذلك التاريخ زادت قوة «جبهة النصرة» إثر قيامها بتشكيل تحالف أطلق عليه اسم «هيئة تحرير الشام» انضمت إليه كبرى الفصائل في الشمال السوري أهمها «حركة الزنكي» و«جيش السنة» و«لواء الحق» وغيرها. في حين اضطر عدد من الفصائل الأخرى المتواجدة في محافظة إدلب إلى الانضواء تحت جناح «حركة أحرار الشام» لحماية نفسها من انتقام الكيان الجديد.
وقد انقسمت الفصائل المسلحة مؤخراً حول الموقف من «هيئة تحرير الشام» في أعقاب الاقتتال الذي حصل في الغوطة الشرقية بين «جيش الإسلام» من جهة و«جبهة النصرة» من جهة ثانية. لكن بدا واضحاً أن جميع الفصائل المتواجدة في مناطق انتشار «هيئة تحرير الشام» مثل «أحرار الشام» و«الجبهة الشامية» و«جيش النصر» و«جيش إدلب الحر» ذهبت نحو تبني موقف رافض لقتال «الهيئة» وأعربت في بيان صادر عنها عن مطالبها «أن يشمل وقف إطلاق النار جميع الأراضي السورية وجميع الفصائل الثورية» في إشارة واضحة إلى «جبهة النصرة» التي تستثنى من جميع الاتفاقات. في حين أن الفصائل التي جاهرت بعدائها لـ«جبهة النصرة» هي فصائل متواجدة في مناطق بعيدة عنها لاسيما في المناطق التي سيطرت عليها «درع الفرات».
هذا الانقسام الذي حصل جراء اقتتال الغوطة يعطي صورة واضحة عن طبيعة مواقف الفصائل إزاء «جبهة النصرة» ويؤكد على نحو لا شك فيه أن جميع هذه الفصائل ليست مستعدة للانخراط في أي قتال ضدها. وهي حقيقة من شأنها أن تفقد اتفاق «تخفيف التصعيد» أحد ركنيه الجوهريين، لأنه في ظل عدم وجود إرادة لقتال «النصرة» لدى الفصائل التي شاركت في أستانا وتبلغ حسب التصريحات الروسية 27 فصيلاً، فهذا يعني أن مناطق التهدئة ستؤدي إلى نتائج عكسية.
ولعل هذا ما يفسر التصعيد الناري الذي قام به قادة بعض الفصائل إزاء الدور الإيراني كضامن للاتفاق الجديد، رغم علمهم مسبقاً بأن إيران ضلع أساسي من أضلاع الترويكا التي توصلت لهذا الاتفاق بالإضافة إلى روسيا وتركيا. والحقيقة أن التصعيد ضد إيران ليس سوى تكتيك مكشوف اتبعه هؤلاء من أجل التغطية على جوهر الاتفاق القاضي بالقتال ضد «جبهة النصرة» وخشيتهم أن يلاقوا نفس المصير الذي لاقاه أسلافهم في «تجمع فاستقم» و«جيش المجاهدين» فحاولوا ذر الرماد في العيون عبر الصراخ المصطنع في قاعة الاجتماعات في أستانا.
وحتى إذا فرضنا إمكانية تجاوز عقبة القبول بقتال «جبهة النصرة» في هذه المرحلة وهي العقبة التي أدت إلى إخفاق جميع اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة، فإن هناك ثغرات في الاتفاق ستجعل تطبيقه شبه مستحيل. ومن قبيل ذلك، ينص الاتفاق على متابعة قتال «النصرة» داخل وخارج مناطق «تخفيف التصعيد» وبما أن «جبهة النصرة» متواجدة في جميع هذه المناطق فإن استمرار القتال ضدها سيتناقض مع تسميتها بهذا الاسم. ثم من هي الجهة المخولة بقتال «النصرة» داخل مناطق «التخفيف»، وماذا لو قرر الجيش السوري قتالها خلال فترة الأشهر الستة التي هي مدة الاتفاق الأولية، هل يحق له إطلاق معركة باتجاه إدلب مثلاً أم أن الاتفاق سيشكل مانعاً أمام الجيش في هذه الحالة ولا بد لتجاوزه من اتفاق جميع الدول الضامنة؟.
كذلك ينص الاتفاق على إنشاء أحزمة آمنة على حدود مناطق «التصعيد» تقوم بالإشراف عليها «قوات من الدول الضامنة ويمكن الاستعانة بقوات دول أخرى في حال الضرورة بالتوافق بين الضامنين». والمشكلة التي تثار هنا هي كيف يمكن اعتبار هذه الأحزمة آمنة في ظل تماس «جبهة النصرة» معها بحكم انتشارها في جميع مناطق «تخفيف التصعيد»، ثم ماذا لو قررت «جبهة النصرة» استهداف القوات التي تشرف على هذه الأحزمة، ومن هي الدولة التي ستقبل بنشر قواتها في هذه الأحزمة قبل ضمان عدم حصول أي اعتداء عليها، الأمر الذي يتطلب عملياً التحدث مع «جبهة النصرة» وهو ما لا يمكن أن يحدث طالما أنها مستثناة من الاتفاق ورافضة له أصلاً؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن