الأولى

قطر إلى مشيخة.. وعصر «الدولة» انتهى

| المحرر السياسي

تتراكم الأخبار الآتية من الخليج عن صراع بين العائلتين الحاكمتين في السعودية وقطر، وتصريحات واعتذارات، تفاقمت وأخذت أبعاداً جديدة بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض، فالاستقبال الحافل الذي حظي به ترامب والعقود بمئات المليارات من الدولارات التي عاد بها إلى بلاده، صورت على أنها استفزاز لحكام قطر المعتادين على تسديد الفواتير وتوقيع عقود الإذلال حماية لمقاعدهم وحكمهم.
الصراع بين العائلتين، يبدو للوهلة الأولى على أنه انشقاق قطر الصغرى عن الشقيقة السعودية الكبرى، لكن في الواقع، هو ليس الخلاف الأول بين الحاكمين، إذ سبقته خلافات كبيرة بعد انقلاب حمد على والده خليفة وتربعه على العرش القطري، وتحديه لبني سعود في أكثر من مناسبة وتحديداً حين أراد أن يلعب دور «الدولة الخليجية العظمى».
أسس قناة الجزيرة ليهدد فيها الحكام العرب، وظف المليارات في أوروبا وتحديداً في فرنسا وبريطانيا لشراء ساسة تلك الدول وسياستهم، تبنى مشروع الإخوان المسلمين، وتقارب مع تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان ليسلمه زعامة «السنة» بدلاً من السعودية التي كانت تفتقد أي دور عربي أو إقليمي بعد إخلالها بمعادلة سياسية كانت تحكم العالم العربي وتعرف بالمثلث ما بين دمشق والقاهرة والرياض.
حاول الأمير الأب حمد بن خليفة، أن يجعل قطر لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية، فدعم التنظيمات الإرهابية في مختلف أرجاء العالم العربي، وسيطر عليها بالمال والإغراءات والوعود، وقصف الشعب الليبي، وساهم باغتيال العقد معمر القذافي مع شريكه الفرنسي آنذاك الرئيس نيكولا ساركوزي، وتبنى حركة «حماس» في مواجهة إسرائيل التي كان يفاوضها سراً وعلناً، وساعد حزب الله في حرب تموز عام 2006 وساهم بإعادة إعمار الضاحية الجنوبية، فكان له الشكر اللبناني، واقترب من إيران العدو اللدود لبني سعود، وانقلب على الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك حليف الرياض، وسيطر على الحكم في مصر وفي تونس من خلال الإخوان المسلمين، قبل أن اتخاذ قرار دولي بإنهاء دور الإخوان المسلمين وإخراجهم من أي معادلة سياسية في المنطقة، فتأتي التعليمات بأن يسلم حمد الحكم إلى نجله تميم، ويخرج وزير خارجيته حمد بن جاسم من السياسة وبشكل نهائي بعد إخفاقهما في تلبية الوعود التي قطعوها للغرب بالسيطرة على حكم الإخوان وتهذيبه، وفشلهم الذريع في إسقاط الدولة السورية.
حاول تميم أن يكون أقل ظهوراً من أبيه، فدرس «التعليمات»، فإخراج أبيه من الحكم كان قاسياً على كل العائلة الحاكمة، عمل بصمت لكن وبذات الفاعلية، حلم بدور أممي يحافظ من خلاله على مكانة قطر بين الأمم المتطورة! ومع قيام الثورة المصرية على الإخوان المسلمين وتسلم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، وتراجع دور الإخوان في تونس، وحالة الفوضى التي وصلت إليها ليبيا وباتت تهدد دول أوروبا، وانتصار الشعب السوري على ما دبر له من قطر وتركيا، قبل أن تنضم إليهم السعودية، يضاف إليها محاولة الانقلاب التي حصلت في تركيا في صيف 2016، بات وضع «دولة» قطر محرجاً للغاية، فاستغل الأمر السعوديون وأعادوا ترتيب بيتهم الداخلي وسياستهم الخارجية على أساس ضخ عائدات النفط في دول أوروبية محددة وفي الولايات المتحدة الأميركية، لشراء الذمم، كما فعلت قطر، والتقارب مع روسيا، وفتحوا كذلك قنوات اتصال مع إسرائيل، واستعادوا دورهم في قيادة دول الخليج.
بعد وصول رجل الأعمال دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية، عزف بني سعود المقطوعة البترو دولارية الأجمل التي يريد الرئيس الأميركي سماعها، فتدفقت عشرات مليارات الدولارات إلى الاقتصاد الأميركي المنهك وتحديداً إلى مصنعي السلاح الأكثر تأثيراً من بين اللوبيات داخل الولايات المتحدة الأميركية.
كل ذلك كان لا بد أن يستفز الحاكم الصغير تميم بن حمد، وأن يجعله يتحرك بعدة اتجاهات ليحافظ على دوره كـ«دولة»، لكن في واقع الأمر فإن قطر عادت لتكون مشيخة في الخليج، فترامب منح بني سعود لقب الخلافة وزعامة السنة، ونحر الإخوان المسلمين، وصنف «حماس» منظمة إرهابية حتى لو وافقت على حدود 1967 كما أعلنت، والدور المقبل لآل تاني لن يتعدى توقيع مزيد من العقود لكن للولايات المتحدة حصراً ودون سواها، إن أرادوا الحفاظ على كراسيهم وحكمهم، فكل ما نشهده من تصريحات واعتذارات وتقلبات نتيجتها معروفة مسبقاً: عقود ثم عقود وأخيراً صفقات للشركات الأميركية دون سواها، أما عن الدور السياسي فعلى القطريين أن يدركوا أن حدودهم باتت جزيرتهم ولا يمكن لهم تخطيها، وكل ما صنعوا من شر وإرهاب في العالم سيتلاشى وسريعاً، لأنهم لم يعودوا مخولين للعب هذا الدور الذي أوكل للسعوديين.
هل يقتنع الأمير الصغير، أم يستمر في لعبة النفي والتصريحات المتناقدة ومحاولات التعنت التي قد تكلفه العرش ما لم يخضع للسيد الأميركي وشروطه؟
أيام ونعرف الجواب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن