قضايا وآراء

زوبعة الخليج ونتائجها المحبطة للعائلة السعودية

| تحسين الحلبي 

يبدو أن العائلة المالكة السعودية كانت تعتقد أنها واثقة من تحقيق أهدافها داخل مجلس التعاون الخليجي بعد أن جندت الإمارات والبحرين معها، وأعلنت الحصار الحاد والعداء القبلي ضد قطر، ليتبين في نهاية هذه الجولة التي هزت النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وفي الخليج، أن الملك السعودي استخدم كل الأوراق التي يعتقد أنها في جيبه عند إعلان إجراءات الحصار على قطر، وليتبين أنه أخطأ في حسابات تقديره للقوة المالية السعودية ودورها في شراء الحكام والضمائر.
لقد نشرت المجلة الإلكترونية «ميديل إيست مونيتور» في 12 حزيران الجاري، خبراً أكده عدد من الصحفيين مثلما أكدته الأحداث، أن الملك لم يستطع شراء رئيس الصومال المنتخب حديثاً محمد عبد اللـه فارماجو، فقد عرض عليه 80 مليون دولار مقابل الانضمام إلى الموقف السعودي عن طريق منع الطيران القطري من التحليق فوق أجواء الصومال، وطلب منه دعم الإجراءات ضد قطر في الجامعة العربية وفي منظمة الدول الإسلامية، ورفض رئيس أفقر دولة في المنطقة هذا المبلغ، وحاول سلمان تسخير دول أخرى لتحقيق هذه الغاية من دون جدوى، وذلك فيما كان فارماجو يستقبل مسؤولين قطريين، وبدأت 15 طائرة قطرية مدنية تستخدم أجواء الصومال.
في واشنطن تحدثت الأنباء الأميركية عن قيام «اللوبي السعودي» الذي أنشأته المملكة للعمل داخل الكونغرس، من أجل منع تطبيق قانون «جاستا» في محاكمة مسؤولين سعوديين بدعم العملية الإرهابية في 11 أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن، وذلك عبر بذل جهود مشتركة مع بعض موظفي اللوبي الإسرائيلي «إيباك» من أجل دعم إجراءات السعودية ضد قطر، وكشفت وسائل إعلام أميركية عن بعض الذين حصلوا على مبالغ مالية مقابل تعاونهم.
على المستوى الإقليمي الأكبر، لم تتمكن العائلة السعودية المالكة من تجنيد باكستان إلى جانبها، بل ولا إلى تحييدها، فقد ذكرت الأنباء أن باكستان اتفقت مع قطر على إرسال 6000 جندي وضابط باكستاني إلى قطر، وكانت صحيفة «الوطن» قد ذكرت قبل أسبوع أن قطر عرضت على باكستان تزويدها بغاز قطري خلال 15 عاماً بأقل الأسعار والشروط المريحة فاشترت قطر باكستان قبل أن تنضم إلى سلمان رغم أنها تشارك بـ4000 جندي باكستاني في حماية حدود السعودية مع اليمن؟!
كما لم يستطع سلمان تحييد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن دعم قطر، وظلت الدوحة الحليفة الأساسية لأردوغان.
على مستوى البيت الخليجي، بقيت عمان محافظة على موقفها المتميز تجاه نزاعات السعودية مع بعض دول الخليج، واتخذت الكويت موقف الوسيط، المقبول من الجانبين السعودي والقطري، أما البحرين التي تنتشر فيها قوات سعودية منذ سنوات، فمن الطبيعي أن تصطف إلى جانب السعودية كعبء ومن دون أن تقدم شيئاً، في حين تجد الإمارات نفسها الآن في وضع خسرت فيه ولم تربح شيئاً لأن «البلدوزر» السعودي لم يكن سوى «جرار زراعي» لم يستطع فرض سكة المحراث في أرض كان يعتقد أنها «طوع بنانه».
وإذا أحصينا خسارات السعودية بعد هذه الجولة المحبطة والفاشلة ضد إمارة صغيرة، فسنجدها كثيرة أولاها: إن العلاقات بين دول الخليج لن تعود فيها السعودية هي صاحبة القرار المخيف بعد أن فقدت هيبتها، ولم تنجح وسائلها في تحقيق غايتها مهما حملت الوساطات لحل النزاع من صيغ وتوافق على إيقاف التصعيد بين دول الخليج.
وثانيهما: إن المملكة ظهرت أمام الإدارة الأميركية كدولة لا يمكن ترشيحها لمستوى «الدولة الإقليمية» بل هي أدنى من ذلك لأنها فاشلة بالمعنى العملي، رغم كل ثروتها المالية والنفطية والدعم الأميركي المرصود لها.
ثالثاً: ربما من المتوقع لبعض دول الخليج بعد هذه الخيبة السعودية، أن تبحث دون أي ضغوط، عن علاقات صداقة تستقوي بها على غرار استقواء قطر بباكستان وتركيا، طالما أن سلمان لا يمكن أن يتحدى دولاً إقليمية كهذه من داخل الملعب الأميركي، وهذا ما يوفر للإدارة الأميركية صاحبة قواعد اللعبة مع حلفائها الأثرياء والفقراء، هامشاً أوسع في رسم السياسة المتخذة تجاه كل دولة على طريقتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن