سورية

لا زواج فاحش شرق الشمال

| مازن جبور

التطورات المتسارعة التي تعصف بشرق وشمال شرق سورية، وعلى الرغم من عدم وجود تقاطعات بينها وبين ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش في رثاء صديقه الأديب السوري ممدوح عدوان: «هذا هو وقت الزفاف الفاحش بين الرعد والصحراء، شرق الشمال، لإنجاب الكمأ إعجازي التكوين. صف لي ولادة الكمأة أصف لك عجزي عن وصف القصيدة، فانظر شرق الشمال!»، لكن قول درويش قد يكون صالحاً لامتصاص الاستعارات المغذية لتشبيهات الوضع الميداني ولسيناريوهات شرق وشمال شرق سورية.
ولعل القاسم المشترك الأول يتمثل بالاتجاه شرق الشمال، حيث تدور معركة العودة من موت بسم تم دسّه لسورية، اتخذ تنظيم داعش الإرهابي، رأس الأفعى فيه، شرق الشمال لن يولد الكمأ إعجازي التكوين هذه المرة بل سيكون شرق الشمال أرضاً لولادة معادلات جيوسياسية جديدة ترسم ملامح الشرق الأوسط من جديد وتعيد ترتيب المنطقة بحدود السيطرة التي سترسمها البنادق والراجمات بناءً على المدى المجدي لها.
وإن كان الكمأ نوعاً من الفطر البري الموسمي وينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار بعمق من 5 إلى 15 سنتيمترات تحت الأرض، ويحتاج إلى البرق والرعد لتخصيبه، كذلك معارك شرق الشمال سيحسمها الطيران حتى تتموضع خطوط النار ولن يكون له دور فيما بعد، فالسيطرة لمن يثبت أكثر ديموغرافيا في المكان، ولعل هذه الاستعارة تترك الترجيح واسعا للجيش العربي السوري و«قوات سورية الديمقراطية- قسد» التي ستنحسر مناطق سيطرتها قليلاً عن الشرق نحو الشمال وشرقه، حيث التموضع الديموغرافي للكرد السوريين، الأمر الذي يدفع بواشنطن لنقل الدواعش من العراق إلى سورية وحصرهم في منطقة وادي الفرات وإدخالهم في معركة استنزاف مع الجيش السوري.
يعتبر الكمأ من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية وينمو بشكل رئيسي في البادية السورية، وفي مدينة السخنة تحديداً، لكن المعارك الدائرة هناك يبحث أطرافها عن كمأ من نوع آخر، كمأ بطعم السيطرة على المكان ونبش ما بداخل أرضه وسرقته، على حين أصحاب الأرض يدافعون عن حقهم وينظرون إلى شرق الشمال نظرة نصر، لا عودة عنها حتى يدركوا أقصى وجهتهم، ألا وهي سورية موحدة. في شرق الشمال، سيلتقي كرد سورية وكرد العراق بلا حدود، وستبحث الولايات المتحدة الأميركية عن شهود لزواج غير شرعي ينجب أطفالاً مشوهين في منطقة اعتادت الولادة من الخاصرة، فلنسند خاصرتنا شرق الشمال، حتى لا يلد كيان مثلما ولد الكيان الإسرائيلي غرب الجنوب في منتصف القرن الماضي. إذاً شرق الشمال عرب وكرد وآشوريون وايزيديون، شرق الشمال سورية وإيران وروسيا والعراق وأميركا وبريطانيا، شرق الشمال تجهز واشنطن وحلفاؤها لإقامة عرس غير شرعي لإنجاب معادلات جيو سياسية تترك ندبات مشوهة في مستقبل الشرق الأوسط.
المعركة باتت واضحة بين الفواعل الدوليين شرق وشمال شرق سورية بعد إسقاط واشنطن للمقاتلة السورية أمس الأول، لتقول إن المعركة مع داعش معركة مشاة يستنزف فيها الجيش العربي السوري، لكن الجواب لم يتأخر بل أتى سريعاً عبر صواريخ بالستية إيرانية استهدفت التنظيم في دير الزور، لتعلن أنه لا «دُخلة» في هذا العرس، ثم تبعه الجواب الروسي بإعلان وزارة الدفاع أنها «ستعتبر أي أجسام طائرة في مناطق عمل قواتها في سورية أهدافاً وسيتم متابعتها من الصواريخ الروسية»، وسبق كل ذلك، إيقاف قرع طبول الحرب على سورية من العراق عندما أعلن رئيس الوزراء العراقي أن بلاده لن تسمح باستخدام أراضيها للعدوان على أي دولة مجاورة.
مما سبق يبدو أن إعلان واشنطن الصريح عن إقامة زواج لا شرعي شرق الشمال جاء الرد عليه بسرعة الصواريخ، أن استعدوا لحماية حفلكم العاهر أو انقلوا عهركم إلى دياركم، فبوصلتنا لن تحيد عن شرق الشمال، ولا زواج فاحشاً سيقام هناك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن