اقتصاد

الطماطم بـ«خمصطعش»!

| علي محمود هاشم

من حسن حظنا جميعاً أن لا وقت لدى الفلاحين لمتابعة سجالاتنا الاقتصادية، التنادي الحكومي الأخير لتوليف مصالح رجال الأعمال وماراتونات تصحيح تحاصصهم في قطاع النسيج، كان له أن يصيب مزارعي البندورة بالحقد على «رب البندورة» وعلى من يتناولونه، لولا أنهم يبجّلون ما تنبته أرضهم.
في الأخبار الواردة من الحقول، يخسر فلاحو البندورة نحو نصف كلفة إنتاجهم جراء تقهقر أسعارها لحيطان 15 ليرة، قبل أن تصل إلى أسواقنا بـ6- 7 أضعاف، على ذلك، قد لا يتمكن المزارعون من بذار موسمهم القادم، فالـ 15 ألف ليرة التي يقبضونها للطن لا تكفي سوى لشراء علبة «شكلس» يمضغونها وهم يجلسون القرفصاء أمام حقولهم البور.
الحكومة على عادتها، أذنا طين وعجين، لربما ترى في الأمر مجرد «طماطم» تشبه بندورتنا السورية لوناً وشكلاً وطعماً، إلا أنها من فضاء اقتصادي آخر، وما دام القاضي أبكم، فلماذا قد يهتم مستهلكوها بالسعر الرخيص المتناسب مع أشلاء دخولهم؟
دعك إذاً من الفلاحين وقصصهم المملّة، ولنتحدث بما يعنينا.
لو سألت حكومتنا التي تراها طماطم، لعلمت بأن قصة بندورتنا تجسد خللاً ما في العرض والطلب. هذا الصنف من الإجابات المحببة إلى قلبها في تفسير حركة التاريخ، ما فتئ يتردد في الأسواق مؤخراً: فوائض في البطاطا، الخضر، الدواجن، ومن قبل الحمضيات والتفاح، فهل حقاً أضحى إنتاجنا الزراعي يطفطف عن حاجتنا لهذا الحد؟ فلماذا إذاً لا تزال مراكز البحث الوطنية تتفنن بمضغ علكة أمننا الغذائي المتدهور زاعمة أن ثلثنا ارتمى تحت خطه الأحمر وأن 15.6 بالمئة منّا فقط يتمتعون به؟
دراسة لاتحاد نقابات العمال، خلصت إلى أن انهياراً أطاح بحصة الأجور حتى 11 بالمئة من الناتج المحلي عام 2016 هبوطاً من 25 بالمئة في 2010، قابله تصاعد كبير في حصة الأرباح الكلية ناهز 89 بالمئة تبعاً لتراجع حصة التدفقات الاستثمارية من الناتج! وفي جناس «نِسْبَوي» يحاكي نسب الربح الذي تبتلعه الحلقات الوسيطة من بندورتنا قياساً بالفلاح، رأت الدراسة العمالية أن تكاليف معيشة أسرة من 5 أشخاص تزيد -أيضاً- 7 أضعاف دخل الفرد.
في مقاربة تأشيرية سريعة، لا تبدو قصة البندورة مجرد عارض تقليدي يتواتره اختلال العرض والطلب في السلع الزراعية الأخرى، بل هي مؤشرات عن تناقضات عميقة في علاقات الإنتاج تتجلى في التراجع الكبير لدخول السواد الأعظم من المستهلكين وفي مقدمهم ذوو الدخل المحدود، مقابل تزايده لقلتهم من وسطاء، ما ينعكس بدوره فوائض رغم التراجع الكبير في الإنتاج.
والحال كذلك، تتجلى الوفرة كمجرد انعكاس وهمي عن صفحة التفاوت الشديد في الدخل، يجرّ وراءه تراجعاً كبيراً في الطلب الفعال على السلع الغذائية الأساسية، وهذه معضلة لها منعكساتها البشعة على المنتجين راهناً، قبل أن ينضم إليهم مستهلكون عاجزون جدد في الحلقات القادمة إثر تراجع الإنتاج أو تغير خريطته، ما يتطلب بسياستنا النقدية أن ترنو إليه ملياً حيث الكتلة السائلة تخسر مراراً وتكراراً مقابلاً مهماً من السلع الزراعية التي كان لتداولها وفق قوانين القيمة العادلة أن يوسّع معه حلقات تداول الكتلة النقدية ويزيد مدة دورانها، ولكان لذلك أن يلطف تلقائياً بعضاً من التضخم المقيم في أسواقنا.
إذاً رأت الحكومة فيما سبق شيئاً يخصّها، فعليها المسارعة إلى تلقي دروس في أن الطماطم، بندورة، وأن المحافظة على احمرارها أمر يعنيها جوهرياً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن